وعند النسائي (5107): «سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلعن المتنمصات والمتفلجات والموتشمات اللاتي يغيرن خلق الله عز و جل».
وقد جاء معنى هذا الحديث من حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم.
فأنت ترى بوضوح علة لعن النبي صلى الله عليه وسلم وهي: تغيير خلق الله.
وترى بوضوح فهم الصحابي لذلك، وأن امرأته لو فعلت ذلك لطلقها ولم تبق معه.
ومما يبين فساد التأويل الذي ذكره أن الأمور المذكورة في النص ـ وبابها واحد ـ قد عللت بتعليل واحد، وهي لا تخص الفاجرات، وهي: النمص ووصل الشعر، والوشم، وبرد الأسنان.
ولا يمكن أن يدعى أن كل هذه الأفعال من أجل الفجور!
وبعضها معروف عندهم قبل النهي يفعلها النساء، وهي مذكورة في أشعار العرب وأخبارهم.
وقد قال البخاري في صحيحه: «باب: لا تطيع المرأة زوجها في معصية» وذكر تحته حديث (5205) عائشة رضي الله عنها: «أن امرأة من الأنصار زوَّجت ابنتها، فتمعط شعر رأسها، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقالت: إن زوجها أمرني أن أصل في شعرها. فقال: لا، إنه قد لُعن الموصلات» وفي لفظ: (5934) «فقال: لعن الله الواصلة والمستوصلة». ورواه مسلم أيضا (2123).
وفي صحيح مسلم (2122) عن أسماء بنت أبي بكر قالت: «جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و سلم، فقالت: يا رسول الله إن لي ابنة عريسا أصابتها حصبة فتمرق شعرها أفأصله؟
فقال: لعن الله الواصلة والمستوصلة».
فأنت ترى أنه صلى الله عليه وسلم منع هذه المرأة من وصل الشعر مع:
1 - حاجتها لذلك لتساقط شعرها من المرض.
2 - هي حديثة عهد بعرس. 3
- وزوجها يريد ذلك.
ومع هذا كله = لم يأذن لها، وبين أن هذا الفعل محرم ولو كان من أجل الزوج.
ولذا فإن قول الأخ محمد: «لأنَّ اللعن طرد من رحمة الله وهذه المتزوجة عملته لزوجها لتعفه من النظر إلى غيرها واللعن لا يكون إلاَّ في شيء كبير وهو فعل ذلك من أجل الفاحشة لا لأجل الزوج.»
اعتراض على النص بتعليل عليل، ليس في النص أي دلالة عليه، والكبيرة قد بين العلماء ضابطها من خلال النصوص، وهو منطبق هنا.
وكون الفعل المحرم فعل لأجل الزوج = لا يغير من الحكم شيئا، كما لو طلب مواقعتها في الحيض أو الدبر = فلا يجوز لها تمكينه من ذلك ولو كانت تريد إعفافه؛ لأن هذه أفعال محرمة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقوله: «ثم إنَّ المرأة مأمورة بالتجمل والتزين والتطيب والظهور في الصورة التي تحبب زوجها فيها ولا يصرف نظره إلى غيرها». وقوله في تعليل ذلك: «لئلا ينفر منها زوجها ولتدوم الألفة والمحبة».
هذا صحيح، لكن فيما أحله الله، ولا تعارض النصوص الصحيحة بهذا الكلام المجمل، وترد من أجله أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم منع النبي صلى الله عليه وسلم وصل المرأة لشعرها المتساقط لأجل زوجها.
وكما أنه لا يجوز للرجل أن يحلق لحيته ليتجمل بذلك لزوجه، ولو ترتب على ذلك أنها تنفر منه.
وقل مثل ذلك في أي فعل يريده أحد الزوجين ـ وهو محرم ـ وإن لم يفعله نفر منه الآخر.
وقوله: «جاء في معونة أولي النهى شرح المنتهى وعليه الفتوى لدى الحنابلة».
لما رد النص الصحيح الصريح أراد أن يساند قوله بما وجده في كتب العلماء، فنقل هذا النقل فيه القول المرجوح، وترك المعتمد في المذهب حتى عند صاحب الكتاب!
وقوله: «إن عليه الفتوى .. ».
غلط؛ لأن هذا الوصف لـ: «منتهى الإرادات» لا لشرحه. كما هو مقرر في كتب الحنابلة (2).
والذي في «منتهى الإرادات» ـ المعتمد في الفتوى ـ 1/ 42: «ويحرم نمص، ووشر، ووشم، ووصل ولو بشعر بهيمة، أو بإذن زوج». ولم يعرج على قول من قال بالجواز.
لأن المعتمد والمصحح في المذهب هو القوم بالتحريم مطلقا،
قال صاحب الإنصاف 1/ 125:
«ويحرم نمص، ووشر، ووشم، على الصحيح من المذهب».
وقال في الفروع 1/ 158:
«ويحرم نمص، ووشر، ووشم، في الأصح».
مع أن عبارة المعتمد في الفتوى عند الحنابلة قد ذهبتَ من قديم، والحنابلة من قيام الدعوة المباركة ـ دعوة الشيح محمد بن عبد الوهاب ـ لا يعولون على كتاب بعينه؛ بل عمدتهم الكتاب والسنة.
وقوله ـ ناقلا عن المعونة ـ: «وأباح ابن الجوزي النمص وحده وحمل النهي على التدليس أو أنه كان شعار الفاجرات وفي الغنية وجه يجوز بطلب زوج». اهـ
¥