هذا النقل عن ابن الجوزي ربما فيه تجوز؛ لأن في كتاب ابن الجوزي «كشف المشكل» 1/ 184: «وظاهر هذا الحديث أن الكلام مطلق في حق كل من فعل هذا، وقول ابن مسعود يدل على ذلك، ويحتمل أن يراد به المتصنعات من النساء للفجور؛ لأن مثل هذا التحسن دأبهن، ويحتمل أن يراد بهن المموهات على الرجال بمثل هذه الأفعال لتغر المتزوج».
ونحوه في كتابه الآخر «أدب النساء» كما نقله عنه السفاريني في «غذاء الألباب» 1/ 332.
فهو مقر بأن ظاهر الحديث الإطلاق، وإنما ذكر ما ذكره احتمالا.
فهل نترك نص الذي لا ينطق عن الهوى لاحتمالات رجل من أمته يصيب ويخطئ؟!
وكذا ما ذكره في الغنية من قوله: «كما جوَّز لها التزيين بألوان الثياب» قياس في معارضة النص، وهو قياس فاسد؛ لأنه قياس للمباح بالمحرم، وباقي كلامه من جنس كلام ابن الجوزي.
فهذا علل مستنبطةلم يذكروا لها دليلا، وتركوا العلة المنصوص عليها في الحديث، ولو كان ما ذكروه صحيحا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم أتم بيان ولفهمه عنه أصحابه.
فهو أفصح الخلق، وأنصحهم، ويمتنع مع نصحه وفصاحته = أن يتكلم بكلام في مثل هذا الزجر، ويكون ظاهره باطلا غير مراد، حاشاه عليه الصلاة والسلام.
وقوله: «قال في الغنية وهو من أمهات كتب الحنابلة المعتمدة للشيخ الإمام عبدالقادر الجيلاني الذي أجمع العلماء على صلاحه وورعه وتقواه».
هذه الطريقة في التعريف بالكتاب والمؤلف = لتعطي نوعا من الثقة بهذا القول.
ونسي ـ هداه الله ـ أن من هو أكبر منه من أئمة العلماء قالوا أقوالا مرجوحة؛ بل باطلة، ولم يكن صلاحهم مروجا لما خالفوا فيه الحق، وإن كانوا مجتهدين.
وإنما تروج هذه على المقلدة الذي يتركون كلام الله ورسوله لكلام من يعظمون من العلماء.
وقوله: «ثم إنَّ عندنا أحاديث كثيرة فيها لعن مثل أحاديث لعن الذي يقطع شجر السدر ... ولكن الناس مازالوا يقطعون السدر لماذا؟ لأنَّ العلماء حملوا اللعن على قطع سدر الحرم».
لعله أراد بإيراد هذا تسهيل مخالفته، وأنها لها مثيلات من فعل العلماء!
وكلامه غير سديد، لأن من العلماء من ضعف أحاديث قطع السدر، فضعفها ابن الجوزي في «العلل المتناهية» 2/ 656: ونقل أيضا عن العقيلي أنه قال: والرواية في هذا الباب فيها اضطراب وضعف، ولا يصح في قطع السدر شيء، وقال أحمد بن حنبل: ليس فيه حديث صحيح. اهـ
وضعفه ابن القيم في «المنار المنيف» ص127 وغيرهم.
وهو مع ضعفه معارض بنصوص أخرى، كما في الصحيحين في الأمر بغسل الميت بماء وسدر، ومن العلماء من حمل الحديث على محامل أخر.
وهذا كله بخلاف هذا الحديث الصحيح الصريح الذي لم يعارضه شيء، والذي كان راويه يلعن من وصل ونمص و .. إلخ
وقوله ـ في خاتمة مقاله ـ: «فهذا هو الإسلام إذاً، المرأة أحق بالتزين والتجمل والتحبب لزوجها».
لا ليس هذا هو الإسلام؛ بل الإسلام هو غاية الانقياد والطاعة، وعدم معارضة الشرع بقول فلان وفلان.
والتجمل يكون بما أباحه الله لا بما لعن عليه، ومنعه.
قال الإمام أحمد عن السنة: «ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء، إنما هي الإتباع، وترك الهوى .. ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله = فقد كفي ذلك وأُحكم له، فعليه الإيمان به والتسليم له». شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/ 176.
ومما يحزن أن الأخ أرسل هذا المقال للصحف الذي دأبت على تشكيك الناس في أمر دينهم، وأن ما كان حراما بالأمس فهو حلال اليوم، فأصبح جموع من العامة لا يثقون بفتاوى أهل العلم، وجموع منهم أصحاب أهواء يريدون أي رخصة، ولا ينظرون في دليل ولا تعليل، وواقع هذا المقال كذلك فقد طار به جملة منهم ونشروه في منتدياتهم، مع أنهم لا يعرفون قائله، ولا مكانته من العلم، ولا أقوال العلماء في المسألة، وإنما يتبعون كل قول يوافق أهواءهم.
فأين سياسة الفتوى، وضبط الناس على قول كبرائهم، ومن المستفيد من زوال ثقة الناس بفتاوى علمائهم؟
وما المصلحة المرجوة من نشر هذا الأقوال الشاذة؟
ألم يكفي هذا الأخ أن يفتي من سأله ووثق به، ويترك الكلام العام لمن هو أولى منه وأعلم، ويحمد ربه أنه عافاه من الفتيا، فلم ذهب وأقحم نفسه فيها؟!
ولم يكفه نشره في جريدةٍ، بل عاد ونشره بعدها بأسبوع في جريدة المدينة!
وربما لم يعلم أنه موضوعه نال حتى إعجاب بعض كتاب الشبكة الليبرالية، فنقله هناك!
ـــــــــــــــــــ
(1) http://www.alismaeil.com/wp/?p=184
مع الإشارة إلى أنه نشر في الجريدتين!
(2) «المدخل» لابن بدران ص442، و «المدخل المفصل» ص 778، و «المذهب الحنبلي» ص472، و «المنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة» ص343.
ـ[أبوالبراء الفلسطيني]ــــــــ[23 - 06 - 09, 01:29 ص]ـ
جزاك الله خيرا ياشيخ عبدالرحمن, وحبذا لو ترسل لتلك الصحف ردك هذا لعلهم ينشرونه أو تكتب مقالا, بالموضوع لا على صيغة رد , فلعلهم ينشرونه, من باب معذرة إلى ربكم ,فهذا أكبر في الفائدة.
¥