كفعلها رياء، أو فعلها في ظرف يصرف صاحبها عن استشعار شيء من معانيها من شدة انهماك بغرض يحول بين العبد وبين استحضار قلبه كلية حتى يكون أشبه بالذي يدافع الأخبثين ونحو هذا من أحوال
أو فعلها على وجه يجر إلى منكر أشد من مجرد ترك العبادة في ذلك الظرف
إلى غير هذه القيود التي نهى الشارع عنها بالعموم ومع هذا فقيام قيد منها بالعبادة يصيرها ممنوعة خلافا للأصل
وهنا نقول وكذلك كل قيد محدث من تخصيص مكان لم يخصه الشارع، أو زمان أو عدد أو هيئة لأي عبادة، فإن هذا القيد المحدث يُصيّر تلك العبادة ممنوعة، للنصوص التي حرمت الإحداث والابتداع بالعموم.
وبعد هذا فلا ينبغي أن نستشكل تحريم العلماء للدعاء جماعة دبر كل صلاة ولا نقول كيف يكون الدعاء الذي أمر الله به محرما؟
وإنما نفهم أن العلماء لم يحرموه لأنه دعاء، ولكن للقيد المحدث الذي هو مخالف للسنة، فالاجتماع في وقت لم يخصه الشارع هو من المحدثات التي نهى عنها الشارع
وعليه فتحريم العبادة لأجل وقت محدث أو مكان محدث أو عدد محدث هو أمر تشهد له عشرات النصوص ولا ينكره إلا من لم يعرف تلك النصوص ومقصد الشارع منها
فلماذا لم يستشكل هذا المعترض تحريم النبي ص للصيام في اليوم الذي يلي يوم التاسع والعشرين من شوال ولم يستشكل النهي عن قيام ليلة الجمعة تخصيصا مع أن الصوم والصلاة مأمور بهما في النصوص العامة
فلا شك للأدلة الواردة في النهي
ونحن نقول أيضا الدعاء بعد كل صلاة جماعة والأذان يوم العيد وغيرها من المحدثات ينبغي ألا نستشكل النهي عنها فقد نهت الأدلة عنها عندما نهت عن كل محدث ويكفي أن السلف والعلماء أجمعوا على إنكار كثير من العبادات الثابتة بالنصوص العامة لأجل ما أضيف إليها من محدثات، كإنكارهم الأذان يوم العيد والاجتماع على الذكر بصورة جماعية مرتبة مداومة وكالمداومة على صلاة النافلة جماعة، وكذكر الله بالألحان المطربة وغيرها كثير جدا
وحتى تتيقن أخي الكريم فإني أرفقت هذا الرد بأكثر من مائة وخمسة عشر نقلا أكثرها عن السلف وبعضها عن الأئمة من بعدهم، كلها تقرر المنع من البدعة الاضافية لعشرات المسائل بلغت أكثر من خمس وخمسين مسألة ورتبتها حسب الحدث المضاف وجلها صحيح من حيث الرواية، ولم أعتمد في مسألة على أثر ضعيف فإنه إذا كان ضعيفا أذكره استئناسا وهو مع هذا قليل.
ولكن قبل إيراد هذه التطبيقات السنية والتي سأرجئ نقلها إلى آخر الرد أذكر بعض الآثار والأقوال عن السلف التي تظهر حجم البدع في العبادات عندهم وتبين شدة نكارتها لديهم، وتجلّي أن التهوين من البدع الإضافية ذات الإحداث في العبادات التي أصلها مشروع هو تهوين مناف لمذهب الصحابة والسلف الذين يصنفون الابتداع من هذا النوع من أخطر الأعمال ويشددون على من يقع فيه.
فبالله عليك أخي القارئ تأمل هذه الآثار التي سأنقلها هنا عن السلف الصالح وبالله عليك انظر ما اشتملت عليه من تغليظ وتشديد في الانكار وزجر، بل وتعزير وفي نفس الموضوع الذي نتكلم عليه (بدع العبادات) كرفع اليدين على المنبر والجهر بالبسملة وكالتعريف يوم عرفة وكالتثويب للصلاة في غير الوارد وكأذان الجمعة الأول وكالاعتكاف في غير المسجد وكرفع الصوت مبالغة بالذكر.
روى وكيع في ((كتابه)) عن هشام بن الغاز، قال: سألت نافعاً عن الأذان يوم الجمعة؟ فقالَ: قالَ ابن عمر: بدعةٌ، وكل بدعة ضلالة، وإن رآه الناس حسَناً.
يعني الأذان الأول
وهذا إسناد صحيح
وقال الحافظ ابن رجب في الفتح:
" وقد روي عن ابن عباس، أنه سئل عن اعتكاف المرأة في مسجد بيتها؟ فقال: بدعة، وأبغض الأعمال إلى الله البدع، لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة "
وفي الفروع لابن مفلح
" لِمَا رَوَاهُ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ نَفْسِهَا فِي بَيْتِهَا، فَقَالَ: بِدْعَةٌ، وَأَبْغَضُ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ الْبِدَعُ، فَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ "
وعَن ابن عَبْد الله بْن مغفل، قَالَ:
سمعني أَبِي وأنا فِي الصلاة أقول: " بسم الله الرحمن الرحيم ".
¥