أعادوا قراءة الشريعة لتقبل الآخر ولتقول بما ينادي به الغرب والمستغربين من (المساواة) و (التبرج والسفور) و (تنحية الشريعة)، وأعادوا قراءة التاريخ الإسلامي وخاصة في القرون الأولى لتقدَّم الأحداث للناشئة في إطارٍ آخر غير إطار الصراع من أجل تعبيد الناس لله، وأعادوا قراءة كتب الأولين ممن كتبوا في القرون الأولى لإبراز الشاذ كالأصفهاني والجاحظ والجهم والجعد وتشويه المستقيم.
أعدُّوا هذه القراءة في صورة كتب جاهزة للنشر تم تسليمها إلى عملاء الفكر الغربي من أمثال (طه حسين وعلي عبد الرازق) ليكتبوا عليها أسمائهم ثم يخرجوها لنا، فقد برهن العارفون على أن الذي كتب (في الشعر الجاهلي) و (الإسلام وأصول الحكم) هو مارجليوث، وأعطاهم مترجمين إلى كل منهما (3)!!، وقاسم أمين كل ما ورد في كتابه من النصارى، (مرقص فهمي) و (الدوق الفرنسي)،.
أو تم تسريب المفاهيم من خلال الصالونات، والصحف، والتواجد في المجتمعات الغربية حال الدراسة.
ويمكننا أن نقول أن حركة الفكر الشائعة في هذا الوقت كانت استشراقية أو متأثرة بالاستشراق، كان المستشرقون هم الموجهون للساحة الفكرية في العالم الإسلامي.
المواضيع التي تناولها عباس العقاد تناولها كل ذي قلم ممن عاصروه، ولم يكن هو أولهم كي نقول بدأ ولحقوه، وإنما جاء بينهم؛ وكلٌ كَتَبَ بخلفية مدرسته التي تأثر بها و انتصر لها. وكل من كتبوا كانوا من إفرازات البعثات الغربية أو من المتأثرين بالغرب من أهل الشرق، مثل (طه حسين)، و (أبكار السقاف)، و (محمد حسين هيكل)، و (ليلة بنت الشاطئ)، وغيرهم.
والكتابات كانت تسير في مضمار واحد، وهو إعادة قراءة الشريعة الإسلامية من جديد على خلفيات غربية، أو متأثرة بفكر الغرب. .كانوا متأثرين بالواقع الذي أوجده الغرب، حين احتل البلاد.
وعباس العقاد كانت له علاقة خاصة جداً بالغرب، فهو مَن حمل بضاعتهم في الأدب إلينا، أعني (مدرسة الديوان)، وقد (كان يرى الإنجليز الحلفاء الطبيعيون لمصر) (4)!!، وكان يؤمن بالديمقراطية إيماناً مطلقاً، ويدعي أنها أفضل الأنظمة على الإطلاق، وهو مخطئ فلا أفضل من شرع الله، ولا ينكر محبوه أنه أحد أفراد المدرسة العقلانية الإنجليزية، حتى كتاباته (الإسلامية) كانت تطبيقاً لنظريات غربية.
كانت رأس العقاد رأساً غربية. لا أجد صعوبة في تقرير ذلك.
ثلاثة وواحد
من كتبوا في الإسلام في الفترة التي كتب فيها العقاد ثلاثةُ نفرٍ ونفرٌ!!
أما الثلاثة نفر، وهم العملاء من وجهة نظري فـ:
أولهم: عميل مفضوح، كطه حسين، وعلي عبد الرازق، وقاسم أمين.
وثانيهم: نفرٌ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، كحسين هيكل ـ فيما كتب عن النبي ـ، وليلة بنت الشاطئ.
وثالثهم: نفر متأثرون بمفاهيم الغرب إلا أنهم مستقلون ظاهراً. كعباس العقاد.
وهذا ميزان ثلاثي كاذب خادع، ينخدع به بعض الطيبين، ويستعمله المكارون في تمرير بضاعتهم، إذ يُعرض هؤلاء الثلاثة على الناس كطرفين ووسط، فعميل، وغير متخصص يكتب مندفعاً، ومثقف مشهور بثقافته الواسعة وعدم اتصاله البدني بالغرب، (عملاق) ـ بزعمهم ـ فيجنح الناس إلى هذا النوع، وهو ما حدث، وانخدع بهذا بعض المنتسبين للعلم والثقافة الشرعية كالشيخ الدكتور صالح بن سعد اللحيدان، فكلما مر بعورةٍ للعقاد قال: ولكنه خير من طه حسين.!!، وكأن ليس في الساحة إلا عباس وطه.!!
الحقيقة أن كل هؤلاء جبهة واحدة، وهناك نفرٌ آخر .. جبهة أخرى، هي جبهة أهل العلم في هذا الزمان كفضيلة الشيخ العلامة أحمد شاكر، والشيخ محمد حامد الفقي، والأستاذ سيد قطب، وأخيه الأستاذ محمد قطب ـ رحمهم الله جميعاً ـ. وكان على اللحيدان وهو لا يفتأ في كل صفحة ـ تقريباً ـ يشير إلى عقله وسعة علمه، ويجعل من نفسه حكماً على الأحاديث والروايات، كان عليه أن لا يقارن بينه وبين طه حسين، بل بينه وبين الأخوين محمد ومحمود شاكر أو تلميذه سيد قطب.
قاسم مشترك
¥