تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القاسم المشترك بين كل العملاء، المفضوح منهم عند الجميع، والمستتر إلا على القليل، أو الأمارة التي تجدها في الجميع وبها يقال انه عميل أو غير عميل، هي عدم وجود عداوة، أو بالأحرى عدم وجود مواجهة مع الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين.

وهذا حال النفر الثلاث (العميل المفضوح) و (مَن لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) و (المستقلين ظاهراً).

وقد كان هذا حال عباس العقاد، فلم يكن الرجل ممن يهاجمون النصرانية، ولا ممن يقفون موقفاً معادياً من الآخر، وكان يفتخر بأن كتاباته محل رضا عند غير المسلمين. (5) وقد أطال رجاء النقاش في إثبات ذلك مفتخراً به، دالاً عليه (6)، وقد ذكرتُ في مقدمة هذا البحث أن (صالون العقاد) كان يأوي إليه اليهودي والنصراني والبهائي.

نعم لم يكن العقاد يقف موقفاً معادياً من النصارى أو النصرانية، وهذا قول محبيه، وفقط أذكر هنا بشيء عقدي في تناول عباس العقاد للنصرانية واليهودية، وهو أن العقَّاد كان ينقل عنهم ما يتكلمون به عن دينهم، ينقله ويعتمده حال الحديث عن دينهم، وكأن الإسلام لم يكذب قولهم في مريم وابنها ـ عليهما السلام ـ، وكأن القرآن لم يكذب قولهم في أنبياء الله، (أنبياء العهد القديم).

ودعني أعرض عليك قولَ عباس العقاد في قصة صلب المسيح ـ المزعومة ـ لتعلم أن العقاد ما كان يقف موقفاً معادياً من تلك الديانات، يقول ـ عن صلب المسيح المزعوم ـ: (ففي حادثة الاعتقال لا يدري متتبع الحوادث من اعتقله ومن دل عليه وهل كان معروفاً من زياراته للهيكل أو كان مجهولاً لا يهتدى إليه بغير دليل).!!

ويتكلم عن محاكمة المسيح ـ عليه السلام (7)، والمسيح لم يحاكم ـ، ولم يقبض عليه، وإنما الذي قبض عليه وحوكم هو الشبيه {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} النساء157

ويقف عباس محمود العقاد حائراً لا يدري كيف كانت نهاية السيد المسيح ـ عليه السلام ـ يقول: (ولا نستطيع كما أسلفنا أن نقرر على وجه التحيقيق من الناحية التاريخية كيف كانت نهاية السيرة المسيحية) (8)

هذا هو العقاد حين يتكلم عن النصرانية (9)، يبحث في كتبهم بحث المصدق لها، لا بحث الناقد المعترض.

بل كانت هذه قاعدة عامة عند عباس العقاد، يأخذ كل قوم بما يتكلمون، إن تكلم عن غاندي الهندي عابد البقرة، فهو (نبي مرسل) (10) لشعب الهند وغير الهند حتى آمن به قوم من أوروبا، وإن تكلم عن (صن) أبي الصين فهو نبيهم.!!

والعقاد كاذب. فما كان هؤلاء أنبياء.

والعقاد خاطئ فما كان له أن يقفز على النص الشرعي، وما كان له أن يتكلم بغير ما تكلم به القرآن في حق هؤلاء.

أأقول لم يكن العقاد يؤمن بما أنزل الله على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهذا واضح جداً من كلامه؟!!

الحقيقة أن العقاد لم يكن يعنيه الأمر. العقاد كان معنياً بالعبقرية (أو العباقرة) (11)، وإثبات سعة الاطلاع، والتحدث في كل القضايا المثارة، وتوسيع قاعدة القراء، ودخول التاريخ، أو الوقوف في صفوف العباقرة.

وما يعنيني أن العقاد جملةً لم يكن في وجه هؤلاء يصدهم عن حمى الدين وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. وإنما كان العقاد قلم أستعمل في إعادة كتابة الشريعة الإسلامية من جديد، وفي إضفاء شيء من الشرعية على (الآخر) من الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين.

أشياء دون أشياء!

الغربيون ترجموا أشياء لعباس العقاد وتركوا أشياءً. ترجموا ما يخدم هدفهم العام، وهو صد الناس في الغرب عن دين الله (12)، ترجموا ما يعطي صورة غير حقيقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم، وتركوا لنا الباقي، فصدوا قومهم وشغلونا بقومنا. فلا يصل من الفكر الإسلامي إلى الغرب إلا ما يريده القوم. وكأن (الفكر الإسلامي) والأدب الحديث لنا نحن فقط. ولهم منه ما يريدون فقط.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير