- وأمّا التحاكم إلى شريعته دون ما سواها، فذلك أن الله هو ربّ العالمين، هو إله الأوّلين والآخرين، فكما أنه سبحانه تفرد بالخلق، والرزق، والتدبير، تفرد بالتشريع، والتقنين فقال تعالى: ((ألا له الخلق والأمر)) {الأعراف آية54} (14 ( http://www.manareldjazair.com/index.php?option=com_*******&task=view&id=559&Itemid=1#_ftn14))، فمن نازع الله في التشريع، فقد نازع الله في ربوبيته (15) ( http://www.manareldjazair.com/index.php?option=com_*******&task=view&id=559&Itemid=1#_ftn15)، وشارك الرّب في خصوصيته، ومن نازع الله في خصوصيته قَصَمَه ولو بعد حين.
فيا ويح من شرع لعباده ما لم يأذن به، قال تعالى: ((أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)) {الشورى آية21}، وقال تعالى: ((أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون)) {المائدة آية50}.
هذا من جهة التشريع، أمّا من جهة التحاكم، فكما أنّ المسلم لا يعبد إلاّ الله، ولا يسجد إلاّ له، ولا يدعو إلاّ إيّاه، فكذلك لا يتحاكم إلاّ إلى شريعته؛ فالتحاكم إلى شريعة ربّ العالمين، من تحقيق العبودية لله عز وجل، قال تعالى: ((إن الحكم إلاّ لله أمر ألاّ تعبدوا إلاّ إياه)) {يوسف آية40} (16) ( http://www.manareldjazair.com/index.php?option=com_*******&task=view&id=559&Itemid=1#_ftn16)، و إلاّ لأصبح تشريع الرب جلّ وعلا عبثا ليس من وراءه فائدة, قال الله تعالى: ((فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممَّا قضيت ويسلموا تسليماً)) {النساء آية65}.
ولتقريب الفهم في هذه القضية، نضرب مثالا لذلك:
فلنتصور أنّ شخصاً أقام مصنعاً ضخما، و جهّزه بكامل المعدّات، والآلات والأدوات، وكوّن إدارةً من مدير، وكاتب، ومحاسب، ومراقبين، وجاء بالعمال والموظفين، ووضع نظاما ًللعمل، فنظّم وقت الدخول والخروج، ووقت الراحة والغذاء، وعطلة الأسبوع، وقدّر رواتب العمال، ثم جاء شخص من خارج، فنحّى ذلك النظام وهمّشه، وغيّر وبدّل، وأتى بلائحة مغايرة كي يسير عليها المصنع.
كيف يكون حال هذا المتطفّل أمام صاحب المصنع، الذي هو صاحب الدار، وهو أدرى بما فيها، وبما يصلحها، ولله المثل الأعلى، فهو سبحانه خالق الكون، وهو أدرى بما يصلحه، قال جلّ في علاه: ((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)) {الملك آية14}.
تنبيه:
ويجدر بنا أن نشير إلى قضية خطيرة قد تقدح في توحيد أصحابها إماّ في كماله الواجب، وإمّا في أصله نسأل الله العافية.
والذي حملهم على ذلك هو جهلهم بحقيقة التوحيد وخصائص الربّ سبحانه جلّ في علاه، وإما لخوفهم من الوقوع في الغلو في هذا الباب، فأوقعهم ذلك في الطرف النقيض الآخر، وإمّا لسلوكهم غير مذهب السلف عن علم وعمد، أو عن جهل نسأل الله الثبات عليه حتى الممات وألا يحملنا غلو غال ولا تفريط مفرط على الحيد عن سلوك سبيل الوسطية والاعتدال.
ولقد انتشرت عدواها في أوساط كثير من طلبة العلم، وهي أنّه صارت هناك حساسية مفرطة تصيب البعض عند ذكر مسألة التشريع، والحكم بغير ما أنزل الله، لِما عَلِق في أذهانهم ما يترتب على ذلك من تكفير، وخروج على الحاكم، حتى وقعوا في الطرف النقيض، حيث أصبح لا يستسيغ الكلام عليها، بل قد (17 ( http://www.manareldjazair.com/index.php?option=com_*******&task=view&id=559&Itemid=1#_ftn17)) يتحرّج من سماع الآيات الواردة فيها.
و والله إنّهم لعلى خطرٍ عظيم، مع أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حسم هذه القضية بقوله: «إلاّ أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان» (18) ( http://www.manareldjazair.com/index.php?option=com_*******&task=view&id=559&Itemid=1#_ftn18)، بل لا يقف الأمر عند ظهور الكفر البواح، حتى يترجّح جانب المصلحة على المفسدة، فلا تلازم بين الكفر والخروج
ـ وإن كان الأوّل شرطا في الثّاني ـ فقد يكون الحاكم نصرانيا، صليبيا، حاقدا، ولا يجوز الخروج عليه لِما يترتب على ذلك من مفاسد ومضار لا يعلم قدرها إلاّ الله.
فالخروج لا يأتي بخير كما قال الإمام أحمد رحمه الله، ولم يأت بخير كما أخبرنا بذلك التاريخ، والواقع خير شاهد
لكن لا يحملنا هذا الأخير على التهوين من شأن تحكيم شريعة ربّ العالمين إله الأولين والآخرين، ربّ السماوات والأرضين.
¥