وفي سنن ابن ماجه وغيره من حديث بريدة بن الحصيب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن يقعد الرجل بين الظل والشمس وهذا تنبيه على منع النوم بينهما
وفي الصحيحين عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: [إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضجع على شقك الأسمن ثم قل: اللهم أني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري اليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت واجعلهن آخر كلامك فإن مت من ليلتك مت على الفطرة]
وفي صحيح البخاري عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا صلى ركعتي الفجر - يعني سنتها - اضطجع على شقه الأيمن
وقد قيل: إن الحكمة في النوم على الجانب الأيمن أن لا يستغرق النائم في نومه لأن القلب فيه ميل إلى جهة اليسار فإذا نام على جنبه الأيمن طلب القلب مستقره من الجانب الأيسر وذلك يمنع من استقرار النائم واستثقاله في نومه بخلاف قراره في النوم على اليسار فإنه مستقره فيحصل بذلك الدعة التامة فيستغرق الإنسان في نومه ويستثقل فيفوته مصالح دينه ودنياه
ولما كان النائم بمنزلة الميت والنوم أخو الموت - ولهذا يستحيل على الحي الذي لا يموت وأهل الجنة لا ينامون فيها - كان النائم محتاجا إلى من يحرس نفسه ويحفظها مما يعرض لها من الآفات ويحرس بدنه أيضا من طوارق الآفات وكان ربه وفاطره تعالى هو المتولي لذلك وحده علم النبي صلى الله عليه و سلم النائم أن يقول كلمات التفويض والإلتجاء والرغبة والرهبة ليستدعي بها كمال حفظ الله له وحراسته لنفسه وبدنه وأرشده مع ذلك إلى أن يستذكر الإيمان وينام عليه ويجعل التكلم به آخر كلامه فإنه ربما توفاه الله في منامه فإذا كان الإيمان آخر كلامه دخل الجنة فتضمن هذا الهدي في المنام مصالح القلب والبدن والروح في النوم واليقظة والدنيا والآخرة فصلوات الله وسلامه على من نالت به أمته كل خير
وقوله: أسلمت نفسي إليك أي: جعلتها مسلمة لك تسليم العبد المملوك نفسه إلى سيده ومالكه وتوجيه وجهه إليه يتضمن إقباله بالكلية على ربه وإخلاص القصد والإرادة له وإقراره بالخضوع والذل والإنقياد قال تعالى: {فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن} [سورة آل عمران الآية: 20] وذكر الوجه إذ هو أشرف ما في الإنسان ومجمع الحواس وأيضا ففيه معنى التوجه والقصد من قوله:
(استغفر الله ذنبا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل)
وتفويض الأمر إليه رده إلى الله سبحانه وذلك يوجب سكون القلب وطمأنيته والرضى بما يقضيه ويختاره له مما يحبه ويرضاه والتفويض من أشرف مقامات العبودية ولا علة فيه وهو من مقامات الخاصة خلافا لزاعمي خلاف ذلك
وإلجاء الظهر إليه سبحانه يتضمن قوة الإعتماد عليه والثقة به والسكون إليه والتوكل عليه فإن من أسند ظهره إلى ركن وثيق لم يخف السقوط
ولما كان للقلب قوتان: قوة الطلب وهي الرغبة وقوة الهرب وهي الرهبة وكان العبد طالبا لمصالحه هاربا من مضاره جمع الأمرين في هذا التفويض والتوجه فقال: رغبة ورهبة إليك ثم أثنى على ربه بأنه لا ملجأ للعبد سواه ولا منجا له منه غيره فهو الذي يلجأ إليه العبد لينجيه من نفسه كما في الحديث الآخر: [أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك] فهو سبحانه الذي يعيذ عبده وينجيه من بأسه الذي هو بمشيئته وقدرته فمنه البلاء ومنه الإعانة ومنه ما يطلب النجاة منه وإليه الإلتجاء في النجاة فهو الذي يلجأ إليه في أن ينجي مما منه ويستعاذ به مما منه فهو رب كل شئ ولا يكون شئ إلا بمشيئته: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو} [سورة الأنعام الآية: 17] {قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة} [سورة الأحزاب الآية: 17] ثم ختم الدعاء بالإقرار بالايمان بكتابه ورسوله الذي هو ملاك النجاة والفوز في الدنيا والآخرة فهذا هديه في نومه
(لو لم يقل إني رسول لكا ... ن شاهد في هديه ينطق)
فصل
¥