أن ابن عباس، وهو حبر الأمة وترجمان القران الذي علمه الله تأويل كتابه واستجاب فيه دعوة رسوله، فَسّرَ الملامسة بالجماع، فقد عَلَّقَ البخاري في صحيحه عنه أنه قال: (الدخول والمسيس واللماس هو الجماع.
حكم الشك في الحدث مع تيقُّن الطهارة
71/ 5 ـ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ في بَطْنِهِ شَيْئاً، فَأَشْكلَ عَلَيْهِ: أَخرَجَ مِنْهُ شيءٌ، أَمْ لاَ؟ فَلاَ يَخْرُجَنّ مِنَ المَسْجِدِ حَتّى يَسْمَعَ صَوْتاً، أَوْ يَجِدَ رِيحاً». أَخْرَجَهُ مُسْلمٌ.
شرح ألفاظه:
قوله: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً) أي: إذا حسّ بتردد الريح في بطنه، وهو صوت الأمعاء، وهو القرقرة: أي: قرقرة البطن.
قوله: (فأشكل عليه) أي: التبس عليه الأمر أَوُجِدَ ناقض أم لا؟
قوله: (فلا يخرجن من المسجد) أي: لأجل أن يتوضأ.
قوله: (حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) أي: حتى يتيقن الحدث بسمعه أو شمه و (أو) للتنويع، وخص السمع والشم بالذكر لكونهما الغالب، وإلا فلو كان لا يسمع ولا يشم لآفة أو مرض وتيقن بغير هذين الطريقين انتقض وضوؤه.
المسائل:
-الحديث دليل على أن المتطهر إذا شك في الحدث لم يلزمه الوضوء، بل يصلي بطهارته تلك حتى يتيقن أنه أحدث، إما بسماع صوت أو شم ريح.
- هذا الحديث دليل على قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة وهي (اليقين لا يزول بالشك)، وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان.
-دل الحديث على أن الريح ناقض للوضوء، لقوله: «حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً».
ما جاء في أن مس الذكر لا ينقض الوضوء
-72/ 6 ـ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: مَسَسْتُ ذَكَرِي. أَوْ قَالَ: الرّجُلُ يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصّلاَةِ، أَعَلَيْهِ وُضُوءٌ؟ فَقَالَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «لاَ، إنّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ». أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحّحَهُ ابْنُ حِبّانَ، وَقَالَ ابْنُ المَدِيني: هُوَ أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ.
شرح ألفاظه:
قوله: (قال رجل: مَسِسْتُ ذكري) أفضيت إليه بيدي من غير حائل.
قوله: (لا) أي: لا وضوء من مسه.
قوله: (بضعة منك) البضعة: بفتح الباء ويجوز كسرها، القطعة من اللحم، والمراد: أنه كاليد والأذن والرجل ونحوهما.
المسائل:
الحديث دليل لمن قال: إن مس الذكر لا ينقض الوضوء؛ لأنه وصفه بأنه بضعة من الإنسان، كمسّ أذنه أو يده ونحوهما.
ما جاء في أن مس الذكر ينقض الوضوء
73/ 7 ـ عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ رضي الله عنها أَنّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وسلّم قَال: «مَنْ مَسّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضّأْ». أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحّحهُ التّرْمِذِيّ وَابْنُ حِبّانَ، وَقَالَ الْبُخَارِيّ: هُوَ أَصَحّ شَيْءٍ في هذَا الْبَابِ.
المسائل::
الحديث دليل لمن قال: إن مس الذكر وكذا مس الفرج ينقض الضوء، وهو قول الشافعي، والمشهور في مذهب أحمد، وهو معارض بحديث طلق بن علي المتقدم الذي يدل على أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، وقد اختلفت كلمة أهل العلم في إزالة هذا التعارض على ثلاثة مسالك، وهي المسالك المعروفة في الأصول:
فمن أهل العلم من سلك مسلك النسخ، وأن حديث طلق بن علي منسوخ بحديث بسرة؛ لأن حديثه متقدم، وحديثها متأخر، ودليل تقدمه ما مضى في ترجمته من أنه قدم المدينة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم يبنون المسجد في أول الهجرة.
لكن القول بالنسخ فيه ضعف لأمرين:
الأول: أن القاعدة عند الأصوليين أنه لا يعدل إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع بين الدليلين؛ لأن النسخ إبطال لأحدهما، والجمع بينهما عمل بهما، وهو ممكن.
الثاني: أن العلماء قالوا: إن التاريخ لا يعلم بتقدم إسلام الراوي أو تقدم أَخْذِه، لجواز أن يكون الراوي المتأخر رواه عن غيره من الصحابة
مسلك الترجيح: والمحققون على ترجيح حديث بسرة بنت صفوان على حديث طلق بن علي، فيجب الوضوء من مس الذكر، وهذا اختيار الصنعاني والشيخ عبد العزيز بن باز، وذلك لما يلي:
1 ـ أن حديث بسرة أصح من حديث طلق بن علي، فإنه سليم الإسناد، وحديث طلق ضعفه جماعة.
2 ـ أن حديث بسرة له شواهد كثيرة تعضده، رواها سبعة عشر صحابياً، وحديث طلق لا شاهد له.
3أن حديث بسرة أحوط وأبرأ للذمة.
¥