"الصعود إلى الغار المذكور ليس من شعائر الحج، ولا من سنن الإسلام، بل إنه بدعة، وذريعة من ذرائع الشرك بالله وعليه ينبغي أن يمنع الناس من الصعود له، ولا يوضع له درج ولا يسهل الصعود له؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه· وقد مضى على بدء نزول الوحي وظهور الإسلام أكثر من أربعة عشر قرناً، ولم نعلم أن أحداً من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته، ولا أئمة المسلمين الذين ولوا أمر المشاعر خلال حقب التاريخ الماضية أنه فعل ذلك، والخير كل الخير في اتباعهم والسير على نهجهم؛ حسبة لله تعالى، ووفق منهاج رسوله صلى الله عليه وسلم، وسدا لذرائع الشرك" انتهى· "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/ 359) ·
والملاحظ على فتوى شيخ الإسلام أنه علق الحكم بقصد العبادة، ولذلك حكم ببدعيته، أما اللجنة الدائمة، فعلقت الحكم على سد ذريعة البدعة·
فتوى ابن عثيمين
أما الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فكان في فتواه في لقائه الشهري أكثر تحريراً حين قال رحمه الله: "وبعض الناس يتعمد أن يذهب إلى غار حراء يظن أن هذا من السنة، وليس كذلك، غار حراء غار كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينبأ، ونزل عليه الوحي وهو في هذا الغار، ولكن لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم إليه بعد ذلك ولا كان الصحابة يقصدونه، وهناك غار آخر يقصده بعض والناس يظن أنه قربة، وهو غار ثور الذي اختفى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة وإتيانه ليس بسنة ولا قربة إلى الله عزَّ وجلَّ، لكن لو أن الإنسان صعد على جبل حراء أو على جبل ثور من أجل أن يطلع فقط دون أن يتقرب إلى الله بهذا الصعود، فهل ينكر عليه؟
الجواب: لا ينكر عليه، ينكر على الإنسان الذي يذهب يتعبد لله ويتقرب إلى الله بذلك" انتهى من "اللقاء الشهري3/ 65"
والملاحظ على فتوى الشيخ رحمه الله مراعاة قصد الصاعد إلى الجبل وأن من صعد للعبادة أو التبرك ينكر عليه ومن صعد لأجل الاطلاع لا ينكر عليه·
ولا شك أن تمييز مقاصد الناس على كثرتهم أمر متعذر، فهل نغلب جانب الإنكار لكون الغالب هو قصد القربة والبركة والتعبد، أم نغلب جانب ترك الناس وما هم عليه اقتداء بمن سلف من العصور الماضية وعدم محاسبة الناس على نياتهم؟
كلتا الوجهتين في تقديري لها ما يبررها·
حجج المانعين من الزيارة
فتغليب جانب الإنكار سدا للذريعة لنا فيه أسوة وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في حادثتين شهيرتين:
أولاهما: أنه صلى الله عليه وسلم حج واعتمر وبقي في مكة زمناً بعد البعثة وأياماً بعد الفتح وحجة الوداع ولم ينقل عنه في رواية صحيحة أو ضعيفة أنه زار هذين الجبلين·
وقد يجاب عن ذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يزرهما خشية منه أن تبقى سنة بعده، وقد عرف هذا من أفعاله صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك بعض ما يحبه خشية أن يفرض أو أن يبقى سنة بعده فيشق على أمته·
الآخر: أن أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله قد توافقت على إثبات سد ذرائع الشرك ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه ج2/ص: (666) عن أبي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قال قال لي عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ ألا أَبْعَثُكَ على ما بَعَثَنِي عليه رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالاً إلا طَمَسْتَهُ ولا قَبْرًا مُشْرِفًا إلا سَوَّيْتَهُ
وفي صحيح ابن حبان ج15/ص94 عن أبي وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ خَرَجَ بِنَا مَعَهُ قِبَلَ هَوَازِنَ حَتَّى مَرَرْنَا عَلَى سِدْرَةِ الْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكِفُونَ حَوْلَهَا وَيَدْعُونَهَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللَّهُ أَكْبَرُ إِِنَّهَا السُّنَنُ هَذَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِِسْرَائِيلَ لِمُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِِنَّكُمْ لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ·
¥