وكذلك من وجد سبيلا إلى العمل الخيري فعليه أن يغتنمه، وكذلك التدريس في المتوسطات والثانويات، فإن من لم يجد السبيل إلى الإمامة أو تورع عنها فلا حجة له في ترك قطاع التعليم، فهو من أبواب الدعوة إلى الله تعالى، وفي الواقع نسمع عن متبرجات يدرسن مادة التربية الإسلامية، ومن تخصصه الأدب العربي يدرس العلوم الإسلامية، وطالب العلم الشرعي خريج الجامعة أولى بهذه المناصب، لأنها تخصصه وهو يحكم برامجها ويفهم مضمونها، ويستطيع أن يبلغها وأن يعدِّل الخلل الموجود فيها.
رابعا: نصائح خاصة بمنهج التدريس
إذا اتفقنا على أن من وسائل الثبات على العلم تعليم الناس الخير، وأن من الغايات النبيلة التي طلبنا العلم لأجلها رفع الجهل عن أنفسنا ونفع غيرنا، فها هنا نصائح متعلقة بالتدريس، وسنقتصر على أمور عملية:
1 - التحضير ثم التحضير، وهنا الاستفادة العظمى، والذي لا يحضر لا يستفيد ولا يفيد، وهذا التحضير نوعان: التحضير الشامل للموضوع المراد تدريسه أو للكتاب المراد شرحه، والتحضير اليومي عند الإلقاء، الأول تحضير لجمع المادة العلمية الإحاطة بالموضوع وتقدير عدد الحصص التي يستغرقها للتدريس، والثاني تحضير لترتيب المادة العلمية ولحفظها ولكيفية إلقائها، ولا بد أن تولى عناية خاصة لترتيب المعلومات لأن ذلك مما ييسر الفهم والاستيعاب على المستمعين، ويُجتنب المدرس التكرار الممل لهم.
ومن لم يحضِّر درسه يخشى عليه أن يقع في القول على الله بلا علم، وكثيرا ما يكون ذلك سببا لخروجه عن الموضوع، ولا بد أن نعلم أن الدرس الذي يلقى في ساعة ربما يحتاج إلى خمس ساعات من التحضير جمعا وترتيبا وتثبتا الخ ...
وننبه هنا أنه ليس من مقاصد التدريس أن يأتي المدرس بمعلومات كثيرة وجديدة أو معقدة، ومن جعل هذه مقاصده فليعلم أنه يفسد ويصعب الدين والعلم على الناس، والمطلوب منهم تيسير العلم وتوصيله إلى الناس بأقرب الطرق.
والكتب التي لم يَدرسها الطالب، ولم تكن صورة واضحة في المنهجية التي يسير عليها فعليه أن يستعين بسماع أشرطة العلماء والمدرسين الذين شرحوها، ومن قرأ شروحهم أو سمعها تيقن أنه ليس المهم تكثير المعلومات والإتيان بالجديد وشرح المسائل المعقدة كما يتصوره كثير من الناس، بل علينا أن نكون ربانيين، نعلم الناس صغار العلم قبل كباره كما قال ابن عباس.
2 - ومما ننصح به الطالب أن لا يختار في تدريسه مشروعا طويلا، ولو كانت له همة عالية حتى يجرب نفسه فيما هو أدنى منه، بعض الطلبة يبدأ حياته الدعوية بشرح صحيح البخاري، وهذا في تقديري لا يصلح؛ لكن إن قال للناس نقرأ كتاب الإيمان من صحيح البخاري فهذا لا بأس به، وذلك لأن المشروع الطويل غالبا الناس يملونه والمدرس يسأم ولا يستطيع المداومة خاصة مع عدم التحضير الذي ذكرناه سابقا أعني التحضير الشامل.
والمدرس الذي يبدأ في مشروع ثم لا يكمله وينتقل إلى غيره ربما كان في صنيعه فتنة للطلبة، ويصدهم عن العلم بكثرة انقطاعه تنقله.
3 - وننصح المدرس المبتدئ أن لا يكثر من المشاريع دفعة واحدة، لأنه في الغالب لا يقوى على المداومة عليها، تحضيرا وإلقاء، فينطبق عليه قولهم من طلب العلم جملة ذهب عنه جملة.
4 - ولا ينبغي أن يختار موضوعا لم يدرسه من قبل أو علما لم يتقن مبادئه ليدرسه للعامة أو للخاصة، وليعلم أن مثل هذا الصنيع مما يصعب العلم على طالبيه، فلا يُقدم المدرس إلا على تدريس المسائل التي هضمها وأحاط بها ويمكنه أن يقربها لسامعيه، وربما يحسن أن يكون مثل هذا –أعني المواضيع التي لم تدرس من قبل-مع الأقران بقصد الاستفادة، و هذه المجالس تسمى مجالس المذاكرة وهي مفيدة جدا إذا تحقق فيها الإخلاص، ولقاء الرجال تلاقح الأفكار كما يقولون.
خامسا: محاذير
وفي الأخير نتعرض إلى بعض المحاذير:
1 - وأول ما نبدأ بها داء الغرور، فعلى الطالب أن يحذر من هذا الداء الخطير الذي يستولي على القلوب ويفسد الأعمال، سواء بالشهادة أو بالعلم المحصل أو بالتصدر والتفاف الناس، وهو داء يقطعه عن حضور حلق العلم وعن سؤال من هو أعلم منه، وليذكر دائما أن من آفة التصدر استثقال الطلب ليجاهد نفسه، وليتذكر أن العلم بحر لا ساحل له.
¥