تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

((وهذا يُفيد أن ترتيبه للأحاديث قائم على منهج علمي، وهو مُراعاته ذلك الترتيب في أحاديث أبواب كتابه الصحيح، فإذا ذكر طريقاً من طرق الحديث في أول الباب فمعناه أنه أسلم من العيوب وأنقى عنده ويجمع تارة الطرق في أول الباب لكونها على مستوى واحد من سلامتها من العيوب، ثم إذا أتبعها بطرق أخرى لذلك الحديث وقد تكون هي طرق مُسْتقلة عن الصحابي الذي قدم حديثه، فمعناه أنها ليست في مستوى تلك لكون راويها من أهل القسم الثاني أو لسبب آخر، وعلى هذا فإذا قدم ما هو مُسْتحق أن يُؤخره وإذا أخّر ما هو مستحق أن يقدمه فمعناه أنه أدرك فيه شيئاً جعله يتصرف كذلك)) انتهى كلامي.

فالخلاصة: التزم مسلم بترتيب الأحاديث حسب القوة والسلامة حين قال أنه يتوخى تقديم ما هو أسلم وأنقى، ثم يتبعه بأخبار يقع في أسانيدها رُواة لم يبلغوا مراتب الثقات في الحفظ والإتقان، وعليه فالحديث الذي صدر به الباب أسلم وأنقى من الحديث الذي بعده، فإذا وجد في الترتيب خلاف لعادته فمعناه أنه أدرك فيه شيئاً جعله يتصرف كذلك.

جاء الأستاذ ليُعلّق على قولي ((إذ أنه أودع في ترتيبه دقائق علمية لا يطلع عليها إلا الحفاظ الذين إذا سمعوا الحديث يستحضر في قلوبهم كل الوجوه التي وردت في رواية ذلك الحديث واختلافها)) بما يلي:

((أنظر كيف يُصوّر منهج مسلم، وأنه يُودع ترتيبه للأحاديث دقائق علمية لا يدركها إلا الحفاظ الذين إذا سمعوا الحديث يستحضر في قلوبهم كل الوجوه التي وردت في رواية ذلك الحديث واختلافها، كأن الإمام مسلماً من كبار علماء أهل الباطن ـ أعاذه وأعاذ علماء المسلمين من أساليبهم الماكرة ـ، وما هي وجوه الاختلاف التي وردت في رواة الحديث وما أثرها؟ إن وجوه الاختلاف تدل على الاضطراب والعلل كما سيأتي في كلامه، فهذا هو المنهج العلمي في نظر الأستاذ المليباري، فإذا وقف الحفاظ على ذلك الترتيب هجمت على قلوبهم وثارت في وجوههم زوابع الاختلاف والاضطراب)).

ويتابع الأستاذ فيقول: ((ومسلم يقول عن أهل الاستقامة والإتقان لم يوجد في وايته اختلاف شديد ولا تخليط فاحش، فكيف يُودع في ترتيب الأحاديث دقائق علمية لا يطلع عليها إلا الحفاظ الذين إذا سمعوا الحديث يستحضر في قلوبهم كل الوجوه التي وردت في رواية ذلك الحديث واختلافها، كيف يُصرّح بتجنب هذا النوع والابتعاد عنه، ثم يُحاول في خِلْسة أن يدسّ كل الوجوه التي وردت في رواية ذلك الحديث (أي حديث في أي باب) واختلافها؟ فهل يستجيز هذا الأسلوب أحد يُؤمن بالله ويحترم نفسه ودينه وصدقه وأمانته ونُصْحه)) اهـ.

قلتُ: يُؤسفني أن أقرأ هذا التعليق من الأستاذ الفاضل الذي قضى حياته في جوٍّ علمي جامعي حتى أصبح أستاذاً مشاركاً ورئيس شعبة السنة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة؛ مما يمكن الإنسان عادةً استفادة علمية حديثية، واطلاع واسع على الحقائق الإسنادية والأمور التي تحف برواية الحديث، وعلى كل حال يذكرني هذا كان هو يُردده:

وللحديث رجال يُعرفون به #### وللدواوين حسُاب وكُتّاب

وبيتاً آخر:

وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً #### وآفته من الفهم السقيم

فاعلم أيها الأستاذ مهما خفي عليك الموضوع، ومهما كنت بعيداً عن منهج المحدثين، فإن الخصائص الاسنادية والدقائق العلمية التي تحفّ بالروايات تتبلور من منهج الإمام مسلم في صحيحه لكل من له ممارسة حديثية ودراية تامة عن مناهج المحدثين النّقاد، دون من تدربوا في دراستهم الحديثية على نظر سطحي قائم على صفحات كتاب التقريب، وإن كانوا من حملة شهادة الدكتوراه في الحديث فشتان بينهم وبين الإطلاع على شي من تلك الحقائق العلمية، وتظل المسائل الإسنادية والدقائق النقدية قضايا باطنية بالنسبة إليهم، ولا يكون الوقوف عليه أمراً ميسراً لهم فالإمام مسلم لا يكون من أهل الباطن إن خفي عليهم شي من الخصائص الإسنادية التي راعاها مسلم في ترتيب الأحاديث في الصحيح.

يقول الإمام النووي ـ رحمه الله ـ:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير