تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا يكاد يأتي موسم الحج في كل عام إلا وتظهر كثير من القضايا التي تُطرح في المساجد، والمنتديات والجرائد، والمجلات السيارة.

ومن هذه القضايا قضية تكرار الحج في كل عام لمن سبق له أن حجَّ؛ لما في ذلك من التسبب في كثرة الزحام وإيقاع الأذى بالناس.

ولما رأيت بعض الاخوة الإعزاء يُفتي من حج حجة الإسلام بترك الحج تيسيرًا على الناس (وهذا من وجهة نظري مخالف لكثير من النصوص الشرعية المحفوظة في هذا الباب) أحببت أن أطرح هذه القضية للحوار والمناقشة بين يدي القراء، باحثًا عن حلول لهذه المشكلة.

وهذه وجهة نظري في هذه القضية أطرحها مُستعينًا بالله، فأقول:

لقد وردت نصوص كثيرة تحث على فضيلة مداومة الحج، منها قوله (صلى الله عليه وسلم): "أديموا الحج والعُمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد ... ".

رواه ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب.

وقوله (صلى الله عليه وسلم): "استمتعوا من هذا البيت؛ فإنه قد هدم مرتين، ويُرفع في الثالثة".

رواه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم.

وعدله بالجهاد في سبيل الله في قوله (صلى الله عليه وسلم) لعائشة عندما قالت: يا رسول الله! ترى الجهاد أفضل العمل. أفلا نجاهد؟

قال: "لكن أفضل الجهاد حجٌ مبرور".

رواه البخاري.

وقوله لها حين قالت له: هل على النساء جهاد؟ قال: "نعم عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة"

رواه أحمد، والنسائي، وابن خزيمة.

ثم لا يخفى على أحد فضل المسارعة في الأعمال الصالحة، واغتنام هذا العمر القصير {فاستبقوا الخيرات}. [البقرة: 148].

وقال صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال سبعًا: هل تنظرون إلا فقرًا مُنسيا، أو غنىً مُطغيا، أو مرضًا مُفندًا، أو موتًا مُجهزًا، أو الدجال فشر غائب يُنتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر".

رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

بل إن للحج خصوصية تتجلى في دعوة إبراهيم عليه السلام: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} [إبراهيم: 37]. فلا يكاد يحل موسم هذه الأيام المباركة، إلا وتجد قلوب عباد الله الصالحين تهفوا إلى الحج والوقف بين يدي الله (عز وجل)، والتعرض لنفحاته في تلك المشاعر العظيمة.

يعرف هذا ويلمسه الكثير، ويجد قوة اندفاع في قلبه، فلا يزال يدافعه حتى يغلبه. فربما لم يعزم إلا يوم عرفة لا حقًا بذلك المشهد العظيم، الذي يتجلى فيه رب العالمين "فيُباهي بعباده الملائكة". رواه مسلم.

قال عكرمة وعطاء وطاوس في معنى هذه الآية: "الحج هواهم إلى مكة أن يحجوا".

ثم إن قوله (عز وجل): {أفئدة من الناس} فيه لفتة نحو هذا الموضوع الذي نحن بصدده، فلك أن تتصور الازدحام العظيم لو قال: "أفئدة الناس تهوي إليهم".

فليس كل أحد تهفو نفسه للحج، بل القليل الذين يتحملون المشاق في سبيل ذلك، وقد أحسن ابن الجوزي، عندما قال: "كنت أتوق إلى مكة قبل الحج، فداويت هذا الداء بالقصد، فزاد الشوق بعد الرجوع على الحد، وعلمت أن كثرة الترداد لا تزيد إلا شوقًا، كما أن لقيا المحبوب لا تزيد نار الوجد إلا وقدًا ... ... فلما رأيت الزمان لا يواتي على المطلوب، فشرعت في التعلل بذكر المحبوب.

... ... ... ... ... ... ... * ربَّ ذكرى قربت من نزحا".

هذه من مقدمة كتابه الذي وسمه بعنوان معبر، وهو (مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن).

وإلى لقاء قادم في الحلقة الثالثة (بإذن الله تعالى).

ـ[يحيى العدل]ــــــــ[09 - 02 - 03, 05:48 م]ـ

وحجة من قال أن ترك التكرار فيه تخفيف على المسلمين، وفيه مصلحة عامة متعدية صحيح، لكن لا يدعنا هذا إلى إفتاء الناس بأنه الأفضل في هذه الأزمان؛ فإنما على المؤمن الاستجابة لنداء الله، والله كفيل بتيسير ذلك له، ألم تر إلى خليل الرحمن عندما أمره الله بالأذان في الناس بالحج أسمع الله نداءه هذا كل شيء حتى من هم في أصلاب الرجال.

وهذا أشبه بما نحن بصدده، فإن الله (عز وجل) كفيل بأن تستوعب هذه المشاعر على ضيقها كل من وفد في ضيافته جل وعلا، وهذا من أوجه البركة التي جعلها الله في هذا البيت كما قال تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا} [آل عمران: 96].

والبركة ظاهرة في هذه المشاعر العظيمة، فلا أعتقد أن أضعاف هذه البقاع تتسع لهؤلاء الحجيج أو البعض منهم في أي مكان آخر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير