هذا؛ وإنما يصلح في هذا الباب ما ترجح جانب إصابة الراوي فيه، فيحتج به، أو كان جانب إصابته مساوياً لجانب خطئه، فيعتبر به.
قال الحافظ ابن حجر ():
" لم يذكر ـ يعني: ابن الصلاح ـ للجابر ضابطاً يُعلم منه ما يصلح أن يكون جابراً، أو لا.
والتحرير فيه: أن يقال: إنه يرجع إلى الاحتمال في طرفي القبول والرد:
فحيث يستوي الاحتمال فيهما؛ فهو الذي يصلح لأن ينجبر.
وحيث يقوى جانب الرد؛ فهو الذي لا ينجبر.
ـ[العملاق]ــــــــ[15 - 02 - 03, 02:50 ص]ـ
ومثله؛ قول الحافظ العراقي في "الألفية":
وإن يكن لكذب أو شذا أو قوي الضعف؛ فلم يُجبر ذا
وقال المرُّوذي ():
"ذكر ـ يعني: أحمد بن حنبل ـ الفوائد، فقال: الحديث عن الضعفاء قد يُحتاج إليه في وقت، والمنكر أبداً منكر".
قلت: ومعنى هذا: أن الراوي الضعيف إذا روى حديثاً غير منكر، فإنه يستفاد بروايته تلك في باب الاعتبار، أما إذا جاء المنكر ـ من الضعيف أو الثقة ـ، فإنه لا يُلتفت إليه، ولا يعرج عليه، لأنه قد تُحقق من وقوع الخطأ فيه.
وقال الإمام أبو داود ():
"لا يحتج بحديث غريب، ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد، والثقات من أئمة العلم، ولو احتج رجل بحديث غريب، وجدت من يطعن فيه، ولا يحتج بالحديث الذي احتج به إذا كان الحديث غريباً شاذاً".
وقد ذكر الشيخ الألباني ـ حفظه الله تعالى ـ في كتابه "صلاة التراويح" حديثاً خالف فيه ثقة غيره ممن هو أوثق منه، وأكثر عدداً؛ ثم قال ():
"ومن المقرر، في علم "مصطلح الحديث"، أن الشاذ منكر مردود؛ لأنه خطأ، والخطأ لا يُتقوى به! ".
ثم قال الشيخ:
" ومن الواضح أن سبب رد العلماء للشاذ، إنما هو ظهور خطأها بسبب المخالفة المذكورة، وما ثبت خطؤه فلا يُعقل أن يقوي به رواية أخرى في معناها، فثبت أن الشاذ والمنكر لا يعتد به، ولا يستشهد به، بل إن وجوده وعدمه سواء" ().
هذا؛ وإنما يصلح في هذا الباب ما ترجح جانب إصابة الراوي فيه، فيحتج به، أو كان جانب إصابته مساوياً لجانب خطئه، فيعتبر به.
قال الحافظ ابن حجر ():
" لم يذكر ـ يعني: ابن الصلاح ـ للجابر ضابطاً يُعلم منه ما يصلح أن يكون جابراً، أو لا.
والتحرير فيه: أن يقال: إنه يرجع إلى الاحتمال في طرفي القبول والرد:
فحيث يستوي الاحتمال فيهما؛ فهو الذي يصلح لأن ينجبر.
وحيث يقوى جانب الرد؛ فهو الذي لا ينجبر.
وأما إذا رجح جانب القبول؛ فليس من هذا، بل ذاك في الحسن الذاتي والله أعلم ".
ومن المعلوم أن نقاد الحديث كثيراً منا يحكمون على أحاديث أخطأ فيه بعض الرواة، بأنها "ضعيفة جداً"، أو " باطلة "، أو " منكرة "، أو " لا أصل لها "، أو " موضوعة "، مع أن رواتها الذين أخطئوا فيها، لم يبلغوا في الضعف إلى حد أن يُترك حديثهم، بل أحياناً يُطلقون هذه الأحكام الشديدة على أحاديث أخطأ فيها بعض الرواة الثقات، غير متقيدين بحال الراوي المخطيء، بل معتبرين حال الرواية سنداً ومتناً، ونوع الخطأ الواقع فيهما، أو في أحدهما.
فمن ذلك:
ما رواه الإمام أحمد (): حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال حدثني عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن صفوان بن عسال قال: قال رجل من اليهود: انطلق بنا إلى هذا النبي. قال: لا تقل: النبي؛ فإنه لو سمعها كان له أربعة أعين ـ وقص الحديث ـ، فقالا: نشهد أنك رسول الله ().
ذكر عبد الله ابن الإمام أحمد، عن أبيه، أنه قال:
" خالف يحيى بن سعيد غير واحد ()، فقالوا: " نشهد أنك نبي "؛ ولو قالوا " نشهد أنك رسول الله " كانا قد أسلاما؛ ولكن يحيى أخطأ فيه خطأً قبيحاً ".
فأنت ترى الإمام أحمد ـ عليه رحمة الله ـ قد قضى على خطأ يحيى بن سعيد القطان في هذا الحديث، بأنه "خطأ قبيح"؛ ومعنى هذا: أنه فاحش شديد، لا سبيل لقبوله.
ويحيى؛ هو يحيى ف الحفظ والإتقان والتثبت، ولكن أحمد لم يعلق الحكم على روايته بما يعرفه من حاله في الحفظ والإتقان، ولو كان كذلك لما تردد في قبولها؛ ولكنه نظر في روايته، وتأملها من حيث المعنى، وقابلها برواية غيره من الثقات؛ فتبين لديه أنها رواية شاذة غير مقبولة، وأن يحيى أخطأ فيها، وإن كان ثقة حافظاً، واعتبره " خطأ قبيحاً " مع أنه من ثقة.
¥