ودليل ذلك أنك منتسب إلى أصحابنا وإمامنا فإذ صدرت منك هذه المقالة بدعناك وهجرك أصحابنا وأحلوا دمك ولولا توبتك ورجوعك لكنا عليك أشد ومنك أبعد
ونحن لا نبدع إلا من بدعته السنة ولا نقول شيئا من عندنا ولكن النبي قال كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة
فمن أحدث في الدين خلاف ما أتى عن رسول الله وخالف أصحابه رضي الله عنهم وترك قول الأئمة والفقهاء في الدين ورجع إلى قول المتكلمين ودعا إلى خلاف السنة فقد ابتدع وإنه تعالى حسيبه والمجازي له إن شاء تاب عليه وإن شاء أضله وحق القول عليه والله سبحانه وتعالى الفعال لما
فصل
وأما قوله في مسألة القرآن
فالكلام فيها في فصلين
أحدهما في الصوت الذي بدأ بإنكاره
فنقول ثبت أن موسى سمع كلام الله تبارك وتعالى منه بغير واسطة فإنه لو سمعه من شجرة أو حجر أو ملك لكان بنو إسرائيل أفضل منه في ذلك لأنهم سمعوه من موسى نبي الله وهو أفضل
من الشجرة والحجر فلم سمي موسى إذا كليم الرحمن ولم قال الله تعالى يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي وقال تعالى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك ولا يقول له هذا إلا الله تعالى وإذا ثبت هذا فالصوت ما سمع وما يتأتى سماعه وقد جاء ذكر الصوت مصرحا به في الأخبار الواردة قال عبد الله بن الإمام أحمد قلت لأبي يا أبه إن الجهمية يزعمون أن الله تعالى لا يتكلم بصوت فقال كذبوا إنما يدورون علم التعطيل
ثم قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن سليمان بن مهران الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه قال إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء
قال السجزي وما في رواة هذا الحديث إ لا إمام مقبول
وقد روي مرفوعا إلى رسول الله
وفي حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه أن الله تعالى يناديهم يوم القيامه بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان وهو حديث مشهور
وفي الآثار أن موسى لما ناداه ربه عز وجل يا موسى أجاب سريعا استئناسا بالصوت فقال لبيك لبيك أين أنت أسمع صوتك ولا أرى مكانك فقال يا موسى أنا فوقك وعن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فعلم أن هذه الصفة لا تكون إلا لله عز وجل قال فكذلك أنت يا رب ومروي أن موسى لما سمع كلام آلآدميين مقتهم لما وقر في أذنيه في سماع كلام الله تعالى
وأما قوله إن الصوت اصطكاك في الهواء أو فقرع في الهواء فهذيان محض ودعوى مجردة لا يشهد بصحتها خبر ولا معه فيها أثر ولا أقام به حجة ولا هو فيه على محجة فإذا قيل له لا نسلم أنه كذلك فما دليله فإن قال هذا اصطلاحنا معشر المتكلمين قلنا فهذا أبعد من الصواب وأقرب له إلى البطلان فإنكم نبذتم الكتاب والسنة وعاديتم الله سبحانه وتعالى ورسوله فما تكادون توفقون لصواب ولا ترشدون إلى حق ولا يقبل قولكم ولا يلتفت إلى اصطلاحكم فان قال هذا حد والحد لا يمنع قلنا ولم لا يمنع وهل سمعت بدعوى تلزم الخصم الانقياد لها بمجردها من غير ظهور صحتها أو إقامة برهان عليها فإن قال لا يمكن إقامة البرهان عليها قلنا فهذا اعتراف بالعجز عن دليلها والجهل بصحتها
فإذا لم تعرف دليلها فبم عرفت صحتها ومن اعترف بالجهل بصحة ما يقول فقد كفى مؤنته واعترف لهم بجهله وبطلان
قوله وكيف يصار إلى قول لا يدرى أصحيح هو أو باطل فكيف ينقاد خصمه إليه فيما هو معترف فيه بعمى نفسه وجهله به
ومن العجب أن هؤلاء المتكلمين أعمى الله بصائرهم فوق ما قد أعماها يزعمون أنهم لا يرضون إلا بالأدله القاطعه والبراهين اليقينية ويرون الأخبار زعما منهم أنها أخبار آحاد لا تفيد علما يقينا ثم يستدلون بمثل هذا الذي لا يدل على شيء أصلا ولا ظاهرا لا يقينا بل هو بمجرد عمى
وهذيان يصوغه من عند نفسه ويخرجه من زبد معدته فإذا منعه وطولب بصحته لم يكن معه شيء يدل عليه سوى أنا قد اصطلحنا أن الحد لا يمنع أفترى إذا أعمى الله أبصارهم وبصائرهم يظنون أننا نقبل منهم مجرد دعواهم ونتابعهم على عماهم وإنما مثلهم في هذا كمثل أعمى يبول على سطح مستقبلا الناس بفرجه يحسب أن أحدا لا يراه لما عمي هو عن رؤية نفسه
ثم تقول بل الصوت هو ما يتأتى سماعه
¥