فاقتضت الحكمة الإلهية، والعناية الربانية، أن قدّر طلوعها من أول النهار من المشرق، فتشرق على ما قابلها من الأفق الغربي، ثم لا تزال تدور وتغشى جهة بعد جهة، حتى تنتهي إلى المغرب، فتشرق على ما استتر عنها في أول النهار، فيختلف عندهم الليل والنهار، فتنتظم مصالحهم) ا. هـ.
يضاف إلى الأدلة ما يلي:
1. قوله تعالى: ? حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ?.
قال ابن عثيمين - رحمه الله -: (قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ} من المعلوم أن المراد هو المكان الذي تغرب الشمس فيه، وهو البحر؛ لأن السائر إلى المغرب سوف يصطدم بالبحر والشمس إذا رآها الرائي وجدها تغرب فيه.
(وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) هي أرض البحر {حَمِئَةٍ} مسودَّة من الماء، لأن الماء إذا مكث طويلاً في الأرض صارت سوداء، ومعلوم أنها تغرب في هذه العين الحمئة حسب رؤية الإنسان، وإلا فهي أكبر من الأرض، وأكبر من هذه العين الحمئة، وهي تدور على الأرض، لكن لا حرج أن الإنسان يخبر عن الشيء الذي تراه عيناه بحسب ما رآه.
(وَوَجَدَ عِنْدَهَا) أي عند العين الحمئة وهو البحر) ا. هـ.
2. قوله تعالى: ? أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً 0 ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ?.
قال السعدي - رحمه الله -: (أي: ألم تشاهد ببصرك وبصيرتك كمال قدرة ربك، وسعة رحمته، أنه مد على العباد الظل، وذلك وقت طلوع الشمس ? ثم جعلنا الشمس عليه ? أي: على الظل ? دليلاً ?، فلولا وجود الشمس، لما عرف الظل، فإن الضد يعرف بضده.
? ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً ? فكلما ارتفعت الشمس تقلص الظل، شيئاً فشيئاً، حتى يذهب بالكلية، فتوالي الظل والشمس على الخلق، الذي يشاهدونه عياناً، وما يترتب على ذلك من اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما، وتعاقب الفصول، وحصول المصالح الكثيرة بسبب ذلك - من أدل دليل على قدرة الله وعظمته وكمال رحمته وعنايته بعباده، وأنه وحده المعبود المحمود، المحبوب المعظم، ذو الجلال والإكرام) ا. هـ.
* قال ابن عثيمين - رحمه الله - في فوائد قوله تعالى: ? أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ?:
(13 - ومنها: الرد على علماء الهيئة الذين يقولون: إن إتيان الشمس ليس إتياناً لها بذاتها؛ ولكن الأرض تدور حتى تأتي هي على الشمس؛ ووجه الرد أن إبراهيم قال: {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق}؛ إذاً الله أتى بها من المشرق؛ وهم يقولون: إن الله لم يأت بها من المشرق؛ ولكن الأرض بدورتها اطلعت عليها؛ ونحن نقول: إن الله لم يقل: (إن الله يدير الأرض حتى تُرى الشمس من المشرق؛ فأَدِرْها حتى تُرى من المغرب)! ويجب علينا أن نأخذ في هذا الأمر بظاهر القرآن، وألا نلتفت لقول أحد مخالف لظاهر القرآن؛ لأننا متعبدون بما يدل عليه القرآن؛ هذا من جهة؛ ولأن الذي أنزل القرآن أعلم بما خلق: قال الله تعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} [الملك: 14]؛ فإذا كان [الله سبحانه وتعالى] يقول في كلامه: إن الشمس: «تأتي»، و «تطلع»، و «تغرب»، و «تزول»، و «تتوارى»؛ كل هذه الأفعال يضيفها إلى الشمس؛ لماذا نحن نجعلها على العكس من ذلك، ونضيفها إلى الأرض!!! ويوم القيامة سيقول الله لنا: {ماذا أجبتم المرسلين} [القصص: 65]؛ لا يقول: ماذا أجبتم العالم الفلكي الفلاني، على أن علماء الفلك قديماً وحديثاً مختلفون في هذا؛ لم يتفقوا على أن الأرض هي التي بدورانها يكون الليل والنهار؛ وما دام الأمر موضع خلاف بين
¥