تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قوله: (وزينتها). أي المال، والبنين، والنساء، والحرث، والأنعام، والخيل المسومة، كما قال الله تعالى:) زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا ([آل عمران: 14].

قوله: (نوف إليهم). فعل مضارع معتل الآخر مجزوم بحذف حرف العلة الياء، لأنه جواب الشرط.

والمعني: أنهم يعطون ما يريدون في الدنيا، ومن ذلك الكفار لا يسعون إلا للدنيا وزينتها، فعجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، كما قال تعالى:) ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمعتم بها ([الأحقاف: 20].

ولهذا لما بكي عمر حين رأي النبي r قد أثر في جنبه الفراش، فقال: " ما يبكيك؟ ". قال يا رسول الله! كسري وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من نعيم وأنت على هذا الحال. فقال رسول الله r : " أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم " (1)، وفي الحقيقة هي ضرر عليهم، لأنهم إذا انتقلوا من دار النعيم إلى الجحيم، صار عليهم أشد وأعظم في فقد ما متعوا به في الدنيا.

قوله: (وهم فيها إلا يبخسون). البخس: النقص، أي: لا ينقصون مما يجازون فيه، لأن الله عدل لا يظلم، فيعطعون ما أرادوه.

قوله: (أولئك). المشار إليه يريدون الحياة الدنيا وزينتها.

قوله: (ليس لهم في الآخرة إلا النار). فيه حصر وطريقة النفي والإثبات، وهذا يعني أنهم لن يدخلوا الجنة، لأن الذي ليس له إلا النار محروم من الجنة والعياذ بالله.

قوله: (وحبط ما صنعوا فيها). الحبوط: الزوال، أي: زال عنهم ما صنعوا في الدنيا.

قوله: (وباطل ما كانوا يعملون). (باطل): خبر مقدم لأجل مراعاة الفواصل في الآيات والمبتدأ " ما " في قوله: (ما كانوا يعملون)، فأثبت الله أنه ليس لهؤلاء إلا النار، وأن ما صنعوا في الدنيا قد حبط، وأن أعمالهم باطلة.

وقوله تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا زينتها نوف إلهم إعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون) مخصوصة بقوله تعالى:) من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها من نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً ([الإسراء: 18].

فأن قيل: لماذا لا نجعل آيه هود حاكمة على آية الإسراء ويكون الله توعد من يريد العاجلة في الدنيا أن يجعل له ما يشاء لمن يريد؟ ثم وعد أن يعطيه ما يشاء؟

أجيب: إن هذا المعنى لا يستقيم لأمرين:

أولاً: أن القاعدة الشرعية في النصوص أن الأخص مقدم على الأعم، وآية هود عامة، لأن كل من أراد الحياة الدنيا وزينتها وفِّي إليه العمل وأعطي ما أراد أن يعطي، أما آية الإسراء، فهي خاصة:) عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ([الإسراء: 18]، ولا يمكن أن يُحكَم بالأعم على الأخص.

الثاني: أن الواقع يشهد على ما تدل عليه آية الإسراء: لأن في فقراء الكفار من هو أفقر من فقراء المسلمين، فيكون عموم آية هود مخصوصاً بآية الإسراء فالأمر موكول إلى مشيئة الله وفيمن يريده.

واختلف فيمن نزلت فيه آية هود:

1 - قيل: نزلت في الكفار، لأن الكافر لا يريد إلا الحياة الدنيا، ويدل لهذا سياقها والجزاء المرتب على هذا، وعليه يكون وجه مناسبتها للترجمة أنه إذا كان عمل الكافرين يراد به الدنيا، فكل من شاركهم في شيء من ذلك، ففيه شيء من شركهم وكفرهم.

2 - وقيل: نزلت في المرائين، لأنهم لا يعملون إلا للدنيا، فلا ينفعهم يوم القيامة.

3 - وقيل: نزلت فيمن يريد مالاً بعمله الصالح.

والسياق يدل للقول الأول، لقوله تعالى:) أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ([هود: 16].

ـ[ابن قدامة]ــــــــ[19 - 10 - 02, 05:06 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الحبيب وعلى اله وصحبه اجمعين,

وبعد,

قد سألت اخي الحبيب عن كيفية الجمع بين الامرين وصدقت حين قلت ذلك ولم تقل ايهما نقدم ,لان الجمع بين النصوص هو الاصل الذي لابد ان يبدء به قبل النسخ او الحذف كما قال اهل العلم (اعمال كلا الدليلين اولى من اهمال احدهما) ,والحق الذي قد تبين لي والله اعلم ان ذلك بحسب الناس فمن كان بحاجة لذلك فقد اجاز له الشارع الاخذ من هذه الامور ,منغير استشراف نفس ولا مسالة, وحال هذا ليس كحال من لم يطلبها ولم يلتفت لها تقللا وتزهدا في امور الدنيا فلا شك ان حال هذا افضل من حال ذاك, ولهذا الفت كتب الزهد ككتاب (الزهد) للامام احمد وغيره, ومن طلبها ونالها وحرص عليها فان ذلك قد نال اجره في الدنيا فيقل حظه من امور الآخر ,ولهذا كان الزهد في الدنيا مطلوب ومرغب فيه كماكان هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك اصحابه والسلف الصالح رضوان الله عليهم, وقد جائت الايات الكثيرة والاحاديث على تحقير الدنيا والتزهيد فيها وذكر الاخرة والترغيب اليها, ومن كان حاله من الحرص على الدنيا والانتفاع بكل شئ فيها كان مخالفا هدي النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح ,ولا يقال انه اثم لان الاثم لايلزم المرء الا بارتكاب الذنب ,والناس في الدنيا مراتب واحوال فهناك الزاهد وهناك الورع ... ونحو ذلك, فيتبين من ذلك ان من جائه الخير من ربه وساقه اليه كان حاله خير من الذي يسأل الناس او يحرص على ان يجمع بين الطاعات والمباحات, وكذلك بين من يجمع بين الطاعات والمباحات والمشتبهات, وقد استحب العلماء لمن اراد ان يحج ان لا يستغل حجه بالتجارات مع حجته ولهذا لما سأل الامام احمد عن الرجل يريد الحج وينوي ايضا ان يتاجر مع قصده للحج فاستحب ان لو كان نوى الحج وحده لكان افضل وقول ربنا في ان الحج له منافع لايعارض ما قاله العلماء في ذلك. والله اعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير