ولهذا أثبت الأشعري الصفات الخبرية بالسمع، وأثبت بالعقل الصفات العقلية التي تعلم بالعقل والسمع؛ فلم يثبت بالعقل ما جعله معارضاً للسمع؛ بل ما جعله معاضداً له، وأثبت بالسمع ما عجز عنه العقل.
وهؤلاء خالفوه وخالفوا أئمة أصحابه في هذا وهذا؛ فلم يستدلُّوا بالسمع في إثبات الصفات، وعارضوا مدلوله؛ بما ادعوه من العقليات.
والذي كان أئمة السنة ينكرونه على ابن كلاَّب والأشعري بقايا من التجهم والاعتزال.
مثل اعتقاد صحة طريقة الأعراض، وتركيب الأجسام، وإنكار اتصاف الله بالأفعال القائمة التي يشاؤها ويختارُها.
وأمثال ذلك من المسائل التي أشكلت على من كان أعلم من الأشعري بالسنة والحديث وأقوال السلف والأئمة؛ كالحارث المحاسبي، وأبي علي الثقفي، وأبي بكر بن إسحاق الصبغي.
مع أنه قد قيل إنَّ الحارث رجع عن ذلك، وذكر عنه غير واحد ما يقتضي الرجوع عن ذلك، وكذلك الصبغي والثقفي قد رُويَ أنهما استتيبا فتابا.
وقد وافق الأشعري على هذه الأصول طوائف من أصحاب أحمد، ومالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهم.
منهم من تبين له بعد ذلك الخطأ؛ فرجع عنه.
ومنهم من اشتبه عليه ذلك؛ كما اشتبه غير ذلك على كثير من المسلمين.
والله يغفر لمن اجتهد في معرفة الصواب من جهة الكتاب والسنة بحسب عقله وإمكانه، وإن أخطأ في بعض ذلك ... ))، إلى أن قال عليه رحمة الله (7/ 106): ((ولهذا كان الأشعري وأئمة أصحابه من المثبتين لعلو الله بذاته على العالم؛ كما كان ذلك مذهب ابن كلاب والحارث المحاسبي وأبي العباس القلانسي وأبي بكر الصبغي وأبي علي الثقفي وأمثالهم.
لكن للبقايا التي بقيت على ابن كلاب وأتباعه من بقايا التجهم والاعتزال؛ كطريقة حدوث الأعراض وتركيب الأجسام = احتاج من سلك طريقهم إلى طرد تلك الأقوال.
فاحتاج أن يلتزم قول الجهمية والمعتزلة في نفي الصفات الخبرية، ويقدِّم عقله على النصوص الإلهية، ويخالف سلفه وأئمته الأشعرية.
وصار ما مدح به الأشعري وأئمة أصحابه من السنة والمتابعة النبوية عنده من أقوال المجسِّمة الحشوية ...
وأصل ما أوقعهم في نفي الصفات والكلام والأفعال والقول بخلق القرآن وإنكار الرؤية والعلو لله على خلقه = هي طريقة حدوث الأعراض وتركيب الأجسام، وعنها لزمهم ما خالفوا به الكتاب والسنة والإجماع في هذا المقام، مع مخالفتهم للمعقولات الصريحة التي لا تحتمل ... ))، إلى أن قال رحمه الله (7/ 131 - 132): ((الجواب السابع: أن يقال بل العقل الصريح موافق للسمع لا منازع له، والعقل قد دل على أن الله تعالى فوق العالم.
وهذه طريقة حذَّاق أهل النظر من أهل الإثبات؛ كما هو طريق السلف والأئمة.
يجعلون العلو من الصفات المعلومة بالعقل.
وهذه طريقة أبي محمد بن كلاب وأتباعه؛ كأبي العباس القلانسي والحارث المحاسبي وأشباههما من أئمة الأشعرية.
وهي طريقة محمد بن كرام وأتباعه وطريقة أكثر أهل الحديث والفقه والتصوف وإليها رجع القاضي أبو يعلى وأمثاله.
ولكن طائفة من الصفاتية من أصحاب الأشعري، ومن وافقهم من أصحاب أحمد وغيرهم يظنون أن العلو من الصفات الخبرية كالوجه واليدين ونحو ذلك، وأنهم إذا أثبتوا ذلك أثبتوه لمجيء السمع به فقط.
ولهذا كان من هؤلاء من ينفي ذلك ويتأول نصوصه أو يعرض عنها كما يفعل مثل ذلك في نصوص الوجه واليد ... )).
• وقال أيضاً في درء التعارض (7/ 461) في مسألأة وجوب النظر في الإيمان: ((قال أبوجعفر السمناني أحد أئمة الاشعرية: هذه المسألة بقية بقيت في المذهب من الاعتزال لمن اعتقدها.
وذلك لكون الأشعري كان معتزليا تلميذاً لأبي علي الجبائي؛ ثم رجع عن هذا إلى مذهب ابن كلاب وأمثاله من الصفاتية، المثبتين للقدر، والقائلين بأن أهل الكبائر لا يخلدون، ونحو ذلك من الأصول التي فارق بها المعتزلة للجماعة وأصل الكلام المحدث المخالف للكتاب والسنة المذموم عند السلف والأئمة كان أئمة الجهمية والمعتزلة وأمثالهم والمعتزلة قدرية جهمية وجهم وأتباعه جهمية مجبرة، ثم الأشعري كان منهم.
ولما فارقهم، وكشف فضائحهم، وبيَّن تناقضهم، وسلك مسالك أبي محمد بن كلاب وأمثاله = ناقضهم غاية المناقضة في مسائل القدر والوعيد والأسماء والأحكام؛ كما ناقضهم في ذلك الجهمية والضرارية والنجارية ونحوهم ...
¥