ولهذا كان هو وأمثاله يعدَّوْن من متكلمة أهل الحديث، وكانوا هم خير هذه الطوائف وأقربها إلى الكتاب والسنة.
ولكن خبرته بالحديث والسنة كانت مجملة، وخبرته بالكلام كانت مفصَّلة؛ فلهذا بقي عليه بقايا من أصول المعتزلة، ودخل معه في تلك البقايا وغيرها طوائف من المنتسبين إلى السنة والحديث، من أتباع الأئمة من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد ... )).
• وقال أيضاً في درء التعارض (9/ 7): (( ... وهذا موجود في عامة الكتب المصنفة في المقالات والملل والنحل؛ مثل كتاب أبي عيسى الوراق والنوبختي وأبي الحسن الأشعري والشهرستاني = تجدهم يذكرون من أقوال اليهود والنصارى والفلاسفة وغيرهم من الكفار، ومن أقوال الخوارج والشيعة والمعتزلة والمرجئة والكلابية والكرامية والمجسمة والحشوية أنواعا من المقالات.
والقول الذي جاء به الرسول وكان عليه الصحابة والتابعون وأئمة المسلمين لا يعرفونه، ولا يذكرونه.
بل وكذلك في كتب الأدلة والحجج التي يحتج بها المصنف للقول الذي يقول إنه الحق = تجدهم يذكرون في الأصل العظيم قولين أو ثلاثة أو أربعة، أو أكثر من ذلك، وينصرون أحدها.
ويكون كل ما ذكروه أقوالا فاسدة مخالفة للشرع والعقل.
والقول الذي جاء به الرسول، وهو الموافق لصحيح المنقول وصريح العقول لا يعرفونه ولايذكرونه ... )).
• وقال أيضاً في درء التعارض (9/ 160) في كلامه على بعض المتجهِّمة كابن عقيل وابن الجوزي وغيرهما: ((ولهذا يوجد في كلام هؤلاء من نفي الصفات الخبرية ومنعهم أن تسمى الآيات والأحاديث آيات الصفات وأحاديث الصفات بل آيات الإضافات ونصوص الإضافات ونحو ذلك من الكلام الموافق لأقوال المعتزلة = ما يبين به أن الأشعري، وأئمة أصحابه من المثبتين للصفات الخبرية ونحو ذلك أقرب إلى السنة والسلف والأئمة كأحمد بن حنبل وغيره، من كلام هؤلاء الذين مالوا في هذا إلى طريقة المعتزلة)).
• قال أبو عمر: وههنا نقل أخير، وهو مهم للغاية:
• قال رحمه الله [في مجموع الفتاوى: 3/ 227 - 229]: ((والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومنافرة، وأنا كنت من أعظم الناس تأليفاً لقلوب المسلمين، وطلبا لاتفاق كلمتهم، واتباعاً لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله، وأزلت عامة ما كان فى النفوس من الوحشة، وبيَّنت لهم أن الأشعرى كان من أجلِّ المتكلمين المنتسبين إلى الإمام أحمد - رحمه الله - ونحوه المنتصرين لطريقه؛ كما يذكر الأشعرى ذلك فى كتبه.
وكما قال أبو اسحاق الشيرازي: (إنما نفقت الأشعرية عند الناس بانتسابهم الى الحنابلة).
وكان أئمة الحنابلة المتقدمين - كأبى بكر عبد العزيز وأبى الحسن التميمى ونحوهما -يذكرون كلامه فى كتبهم؛ بل كان عند متقدميهم - كابن عقيل عند المتأخرين - لكن ابن عقيل له اختصاص بمعرفة الفقة وأصوله.
وأما الأشعرى فهو أقرب الى أصول أحمد من ابن عقيل واتبع لها؛ فإنه كلما كان عهد الانسان بالسلف أقرب كان أعلم بالمعقول والمنقول.
وكنت أقرِّر هذا للحنبلية، وأبيِّن أن الأشعرى وإن كان من تلامذة المعتزلة ثم تاب - فإنه تلميذ الجبائى - ومال الى طريقة ابن كلاب، وأخذ عن زكريا الساجى أصول الحديث بالبصرة، ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنبلية بغداد أمورا أخرى، وذلك آخر أمره كما ذكره هو وأصحابه فى كتبهم.
وكذلك ابن عقيل كان تلميذ ابن الوليد وابن التبان المعتزليين ثم تاب من ذلك، وتوبته مشهورة بحضرة الشريف ابى جعفر.
وكما أن فى أصحاب أحمد من يبغض ابن عقيل ويذمُّه، فالذين يذمُّون الأشعرى ليسوا مختصين بأصحاب أحمد؛ بل فى جميع الطوائف من هو كذلك.
ولما أظهرت كلام الأشعرى ورآه الحنبلية قالوا: هذا خير من كلام الشيخ (الموفَّق)!
وفرح المسلمون باتفاق الكلمة، وأظهرت ما ذكره ابن عساكر فى مناقبه: أنه لم تزل الحنابلة والأشاعرة متفقين الى زمن القشيرى فإنه لما جرت تلك الفتنة ببغداد تفرقت الكلمة، ومعلوم أن فى جميع الطوائف من هو زائغ ومستقيم ... )).
• قال أبو عمر: ونقل جميع ما قاله – عليه رحمة الله - في هذا الموضوع يستغرق مجلداً بل أكثر، وإنما أسهبت في هذه النقول الطويلة لما احتوته على فوائد ليست بعيدة ولا خارجة عن موضوعنا، وبالله التوفيق!!
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[12 - 12 - 02, 05:45 م]ـ
* قال أبو عمر: قد قلت أولاً: ((أبو الحسن الأشعري - رحمه الله - عاد من مذهب المعتزلة إلى مذهب الأشعرية (التي أسَّس قواعدها)، ثم رجع منها إلى مذهب الكُلاَّبيَّة)) وهذا القول الذي قلته غلط محض، وأستغفر الله منه.
والصواب أنه لم تكن هناك مرحلة متوسطة بين كونه في حال الاعتزال وبين الكلابية.
لكن الخلاف الشديد بين المؤرِّخين وكتَّاب المقالات في كون أبي الحسن هل تاب من الكلابية أيضاً أم ظل عليه حتى مات.
وقد بحثه بإسهاب مناقشاً الأقوال والأدلة لشيخ عبدالرحمن المحمود في كتابه المشار إليه آنفاً.
وذلك في (1/ 377) إلى (1/ 409).
¥