والتمثيل، وأثبتنا علو ربنا سبحانه وفوقيته واستواءه على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته، والحقُ واضحٌ في ذلك والصدور تنشرحُ له، فإن التحريف تأباه العقول الصحيحة مثل: تحريف الاستواء بالاستيلاء وغيره، والوقوف في ذلك جهلٌ وعيٌّ، وكون أن الرب تعالى وصف لنا نفسهُ بهذه الصفات لنعرفهُ بها، فوقوفنا عن إثباتها ونفيها عدولٌ عن المقصودِ منه تعالى في تعريفنا إياها، فما وصف لنا نفسه بها إلا لِنُثبت ما وصف به نفسه ولا نقف في ذلك، وكذلك التشبيه والتمثيل حماقةٌ وجهالةٌ فمن وفَّقهُ الله تعالى للإثبات بلا تحريفٍ ولا تكييفٍ ولا وقوفٍ فقد وقع على الأمر المطلوب منه إن شاء الله …)
- وختم رسالته - بقوله: (فرحم الله عبداً وصلت إليه هذه الرسالة ولم يُعاجلها بالإنكار، وافتقر إلى ربه في كشف الحق آناء الليل والنهار، وتأمل النصوص في الصفات، وفكر بعقله في نزولها وفي المعنى الذي نزلت له وما الذي أُريد بعلمها من المخلوقات، ومن فتح الله قلبه عرف أنه ليس المراد إلا معرفةُ الرب تعالى بها، والتوجه إليه منها، وإثباتها له بحقائقها وأعيانها كما يليقُ بجلاله وعظمته بلا تأويل ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا جمود ولا وقوف، وفي ذلك بلاغ لمن تدبر، وكِفايةٌ لمن استبصر)
[انظر رسالته ضمن الرسائل المنيرية (1/ 174 – 187)]
ولذلك كان أئمة السلف من الشافعية ينكزون أشد الإنكار على - الشافعية - الذين كانوا على اعتقاد الأشعري.
و لما ألف الإمام شيخ الحرمين أبو الحسن محمد بن عبدالملك الكرجي الشافعي كتابه: [الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاماً لذوي البدع والفضول] ذكر أنه لم يعتمد إلا على أقوال أئمة السلف،
وذكرَ منهم: الشافعي، ومالك والثوري، وأحمد بن حنبل، والبخاري صاحب الصحيح، وسفيان بن عُيينة، وعبدالله بن المبارك، والأوزاعي والليث بن سعد، وإسحق بن راهوية، فذكرَ فيه أقوالهم في أصول السنة ما يُعرفُ به اعتقادهم، وذكر في تراجمهم ما فيه التنبيه على مراتبهم ومكانتهم في الإسلام، وذكر أنه اقتصر في النقلِ عنهم دون غيرهم لأمرين عظيمين:
أحدهما: لأنهم هم المقتدى بهم والمرجوعِ شرقاً وغرباً إلى مذاهبهم، ولأنهم أجمع لشرائط القدوة والإمامة من غيرهم، وأكثر لتحصيل أسبابها وأدواتها: من جودة الحفظ والبصيرة والفطنة والمعرفة بالكتاب والسنة والإجماع والسند والرجال والأحوال ولُغات العرب ومواضعها والتاريخ والناسخ والمنسوخ والمنقول والمعقول والصحيح والمدخُول، مع الصدق والصلابة وظهور الأمانة والديانة ممن سواهم …
والثاني:أن في النقل عن هؤلاء إلزاماً للحجة على كلِّ من ينتحلُ مذهب إمامٍ يُخالفهُ في العقيدة؛فإن أحدهما لا محالة يُضلِّلُ صاحبه أو يُبدعه أو يُكفره، فانتحالُ مذهبه – مع مخالفته لهُ في العقيدة – مستنكرٌ والله شرعاً وطبعاً، فمن قال: أنا شافعي الشرع أشعري الاعتقاد! قُلنا له: هذامن الأضداد، لا بل من الإرتداد؛ إذ لم يكن الشافعي أشعري الاعتقاد، ومن قال: أنا حنبلي الفروع مُعتزلي الأصول!! قُلنا له: قد ضللتَ إذاً عن سواء السبيل فيما تزعمه إذ لم يكن أحمد معتزلي الدين والإجتهاد …)
ثم قال رحمه الله تعالى: (وقد افتتن خلق من المالكية بمذاهب الأشعرية، وهذا والله سُبَّةٌ وعار، وفلتةٌ تعود بالوبال والنكال وسوء الدار، على منتحلِ مذاهب هؤلاء الأئمة الكبار، فإن مذهبهم ما رويناه من تكفيرهم الجهمية والمعتزلة والقدرية والواقفية وتكفيرهم اللفظية)
[انظر مجموع الفتاوى 4/ 176 –]
وقال أيضاً رحمه الله تعالى: (ولم تزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينتسبوا إلى الأشعري، ويتبرءون مما بنى مذهبه عليه، وينهون أصحابهم وأحبابهم من الحوم حواليه …) [شرح الأصفهانية ص 36]
وقال أيضاً: (ولهذا صار من يُعظم الشافعي من الزيدية والمعتزلة ونحوهم يطعن في كثيرٍ ممن ينتسب إليه ويقولون: الشافعي لم يكن فيلسوفاً ولا مرجئياً وهؤلاء فلاسفة مُرجئة، وغرضهم ذم الإرجاء …) [مجموع الفتاوى 7/ 120 – 121]
ولذلك قال أبو محمد الجويني الشافعي رحمه الله تعالى في رسالته السابقة: (والذي شرح الله صدري في حال هؤلاء الشيوخ الذين أولوا الاستواء بالاستيلاء،والنزول بنزول الأمر، واليدين بالنعمتين والقدرتين: هو علمي بأنهم ما فهموا في صفات الرب تعالى إلا ما يليق بالمخلوقين،فما فهموا استواءً يليق به،ولا نزولاً يليق به،ولا يدين تليق بعظمته بلا تكييفٍ ولا تشبيهٍ فلذلك حرفوا الكلم عن مواضعه،وعطلوا ما وصف الله تعالى به نفسه) [انظر رسالته ضمن مجموعة الرسائل المنيرية 1/ 181]
ومن هنا أدعو إخواننا ممن ينتسب إلى عقيدة الأشعري أن يُعيد النظر في ذلك، ويستعين بالله تعالى في ترك تلك المسالك، و أن يلزم طريق أهل السنة والجماعة ممن سبق الأشعري، و ينخلع ممن خالف نهجهم ويكون منه عَري.
والله الموفق.
¥