تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعند مسلم " مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ *

وليس المقصود من إقامة الحجة الرسالية مجرد بلوغها بل شرطها أن يتمكن المكلف من العلم بها كما نبه على ذلك شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم قال تعالى {فمالهم عن التّذكرة معرضين، كأنّهم حُمُرٌ مستنفرة، فرَّت من قسورة، بل يريد كل امرئٍ منهم أن يؤتى صُحُفاً منشّرة} فالأمر مبناه على التمكن قال تعالى {قل فلله الحجّة البالغة} أي لمن أرادها وبحث عنها.

وينبغي التنبه إلى أن من لم يعذر بالجهل في مسائل الدين الظاهرة حجته أن الله قد أقام الحجة على العالمين بأخذ الميثاق عليهم وهم في صلب أبيهم آدم كما في قوله تعالى " وإذ أخذ الله من بني آدم " الآية وما جاء في نفس المعنى في السنة كما في الصحيحين وهذا مذهب أهل البدع، لأن الميثاق ثابت وهو من الحجج التي يحتج بها الله على بني آدم لكن هذه الحجة لا يترتب عليها عذاب وعقاب لمن خالف لأن الله يقول " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً " وبهذه الآية قد استدل ابن عباس وأبيّ على ذلك بعد أن ذكرا الميثاق، وهذا الميثاق لا يذكره أحد كما قال تعالى " هو الذي أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً "

و العذر بالجهل ولزوم إقامة الحجة الرسالية يعم جميع مسائل الدين ومنها الأصول والفروع إذا صح التعبير وقد ذكر شيخ الإسلام أن هذا هو مذهب جماهير السلف و لم يخالف في ذلك إلا المعتزلة فالمسألة مجمع عليها فمن خالف فقد ضل ضلالا بعيدا وهذا خلاف الإجماع الذي ادعاه الأخوان أعلاه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهاتٌ يعذره الله بها. فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ فإنَّ الله يغفر خطأه كائناً ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وجماهيرُ أئمَّةِ الإسلام، وما قسّموا المسائل إلى مسائل أصولٍ يكفر بإنكارها، ومسائل أصول لا يكفر بإنكارها. أ. ه‍ "مجموع الفتاوى" (23/ 346 - 347).

فتأمل قوله " وما قسّموا المسائل إلى مسائل أصولٍ يكفر بإنكارها، ومسائل أصول لا يكفر بإنكارها "

وأما ما جاء عن الإمام محمد بن عبد الوهاب وعن أئمة الدعوة من بعده من نصوص احتج بها المخالف على مذهبه فتحمل على الجاهل المتمكن من العلم أو من بلغه القرآن ولم يكن لديه مانع من فهمه.

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (الدرر 8/ 90) " وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هي القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة."

وفي الدرر (8/ 79) قال في رد له على رجل يدعى ابن عبد الكريم " وأما عبارة الشيخ التي لبسوا بها عليك فهي أغلظ من هذا كله ولو نقول بها لكفرنا كثيراً من المشاهير بأعيانهم فإنه صرح فيها بأن المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة فإن كان المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله {وجعلنا على قلوبه أكنة أن يفقهوه} "

فقد وافقه الإمام على شرط إقامة الحجة الرسالية، وتأمل قوله " بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر "

وقد تناظر شيخنا ناصر الدين مع بعض المشايخ في المدينة في هذه المسألة فوافقهم على أن من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة لكنه استدرك عليهم فقال وهل كل من بلغه القرآن قد " خلا من شيء يعذر به ".

وهذا هو مذهب أئمة الدعوة ومن ادعى غير هذا فإنما أتي من جهة فهمه أو جهله أو هواه.

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله " وإن كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم "

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في مصباح الظلام (ص324) مبيناً مذهب الإمام قال: " إنه لم يكفر _ أي الإمام _ إلا بعد قيام الحجة وظهور الدليل حتى إنه رحمه اللَّه توقف في تكفير الجاهل من عباد القبور إذا لم يتيسر له من ينبهه "

وفي منهاج التأسيس (ص187) قال رحمه الله: " كان شيخنا يُقرر في مجالسه ورسائله أنه لا يكفر إلا من عرف دين الرسول وبعد معرفته تبين في عداوته. وتارة يقول إذا كنا لا نكفر من يعبد قبة الكواز ".

وقال (ص 222) " فإن النزاع مع العراقي فيمن قامت عليه الحجة وعرف التوحيد ثم تبين في عداوته ومسبته ورده كما فعل هذا العراقي أو أعرض عنه فلم يرفع به رأسا كحال جمهور عباد القبور ولم يعلم ولكن تمكن من العلم ومعرفة الهدى فأخلد إلى الأرض واتبع هواه ولم يلتفت إلى ما جاءت به الرسل ولا اهتم "

فهذا هو موضع النزاع فتأمله وقد ضرب على ذلك شيخنا ناصر الدين مثالاً يدل على فهمه وتقدمه فكم من مسألة متشعبه استطاع هذا الإمام أن يجمع شمل أطرافها في كلمات ولكن أهل الأهواء عن العلم وأهله معرضون.

قال (قدس الله روحه) لو أن رجلا في أمريكا أسلم ثم وجدناه يجهل حرمة الخمر فنعذره بجهله ولو جهل علو الله على خلقه فنعذره كذلك ولو أن رجلا في مصر جهل حرمة الخمر فلا نعذره بينما لو جهل علو الله على خلقه فإننا نعذره ولو أن رجلا بالسعودية جهل علو الله على خلقه فإننا لا نعذره ومن باب أولى لو جهل حرمة الخمر.

وأما مسألة الحكم على المعين بأنه مشرك بينما ينفى عنه وصف الكفر فهذه ليست مسألة اصطلاحية لأن من قرر هذا قبل الأخوين المذكورين رتب على ذلك عدم عصمة الدم والمال أو الدعاء له بعد موته فالأخوان أخذوا من شيخهم طرفا من المسألة وخالفوه في الآخر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير