تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد شرح رحمه الله (آية الميثاق) وبين وجه الدلالة منها على عدم عذر المشركين بالشرك إلا أنهم لايعذبون حتى تبلغهم الرسالة، والذي لم يفهم أسد السنة وجه استدلال الشيخ عبدالله وغيره بهذا الدليل فظنه من أدلة المعتزلة، وإن كان ضرب الصفح عن هذا الدليل أولى من ذكره قبل تقرر المسألة.

فقال رحمه الله في " الدرء " (8/ 487):

" وذلك يقتضي أن الاشهاد من لوازم الإنسان فكل إنسان قد جعله الله مقرا بربوبيته شاهدا على نفسه بأنه مخلوق والله خالقه ... وهذا أمر ضروري لهم، لاينفك عنه مخلوق وهو مما خلقوا عليه وجبلوا عليه، وجعل علما ضروريا لهم "

وقال بعده:" ... وهذا يقتضي أن نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد حجة في بطلان الشرك، ولايحتاج إلى رسول فإنه جعل ماتقدم حجة عليهم دون هذا ... وهذا لايناقض قوله تعالى} وماكنا معذبين حتى نبعث رسولا {فإن الرسول يدعو إلى التوحيد لكن إن لم يكن في الفطرة دليل عقلي يعلم به إثبات الصانع لم يكن في مجرد الرسالة حجة عليهم ... ثم إن الله بكمال رحمته وإحسانه لايعذب أحدا الا بعد إرسال رسول إليهم وإن كانوا فاعلين لمايستحق به الذم والعقاب ".

وقال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله كما في رسالته " التبصير في معالم الدين " (ص116):

" فأما الذي لايجوز الجهل به من دين الله لمن كان في قلبه من أهل التكليف لوجود الأدلة متفقة في الدلالة عليه غير مختلفة (ظاهرة) للحس غير (خفية) فتوحيد الله تعالى والعلم بأسمائه وصفاته وعدله، وذلك أن كل من بلغ حد التكليف من أهل الصحة والسلامة فلن يعدم دليلا وبرهانا واضحا يدله على (وحدانية ربه) ويوضح له حقيقة صحة ذلك ولذلك لم يعذر الله أحدا كان بالصفة التي وصفت بالجهل به وبأسمائه وألحقه إن مات على (الجهل) به بمنازل أهل العناد ... فقال جل ثناؤه:

{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}."

فليت شعري ماقولك في ابن جرير؟

ثالثاً: الفرق بين أهل السنة والمعتزلة في هذا الباب =هو أن منطلق أهل السنة في عدم العذر بالجهل أو العناد أو التقليد في التوحيد، هو عموم النصوص في هذا الباب، ومن ذلك آية الميثاق.

وأما المعتزلة فأصل المسألة عندهم هو أن الحجة على الخلق إنما تقوم بالعقل فقط.

على أن المنقول عن كبار المعتزلة هو العذر بالجهل في التوحيد!!

فقد نقل ابن قدامة في الروضة (2/ 418) عن الجاحظ وهو من أئمتهم أنه قال " من خالف ملة الإسلام إذا نظر فعجز عن ادراك الحق فهو معذور)!

وذكر الشهرستاني في الملل والنحل (1/ 75) أنه يعذر بالجهل في التوحيد!

وأما أهل السنة فالعقل والسمع والفطرة حجج على المكلفين عندهم، ولكل حجة من هذه الحجج مقام يناسبها.

وأما حصر الحجج بأحدها فمشابهة للمعتزلة الذين حصروا الحجة بأحدها كذلك!

فأينا أشبه بالمعتزلة وأقرب منهم منزلا –سددك الله -؟!

رابعا: وأما قولك:"وأرى أن الحديث وإن كان عن الجاهل إلا أنه حصل فيه تطرق للعالم المتأول في مسائل نحو دعاء غير الله والاستغاثة بالمقبورين _ وبين المسألتين ارتباط بلا شك فإذا عذرنا العالم المتأول فالجاهل الذي قلده أولى بالعذر"

فيدل على عدم وقوفك على كلام مخالفيك في هذا الباب من مصادرهم.

فمخالفوك حفظك الله لايعذرون في (المسائل الظاهرة) بالجهل ولا بالتأويل ولابالعناد ولابالتقليد! إلا في الحالات التي ذكرتها لك.

فماتجده من أقوالهم في عذر أحد بالجهل أو التأويل أو غيره في التوحيد فمحمول على أمرين لاثالث لهما:

الأول: أن هذا في المسائل الخفية.

الثاني: أنه من أهل أحد الحالات الثلاث التي هي مظنة العجز عن التعلم.

وأما الهيتمي، فأنا أمهلك ماشئت لتأتيني بنص واحد من سيرته (والنص هو مالايحتمل أكثر من معنى) يدل على (وقوعه) في الشرك أو تجويزه دعاء غير الله وصرف العبادة لغيره، (فإن هذا هو محل بحثنا) كيف وقد نهى في الزواجر عن ذلك؟!.

وأما تجويزه زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكفي وحده لتسميته ب (القبوري) كما سماه الإخوة بذلك وتبعتهم أنت عليه.

وبعدها ننظر هل أئمة الدعوة يعذرون بالتأويل في المسائل الظاهرة أم لا؟

فها أنا ذكرت لك ماعندي في المسألة، واجتهدت وسعي في شرح قول مخالفك لك، وفك كثير من التلازم الذي يقع في الأذهان في هذه المسائل، وأجبتك عما سألتني عنه.

ونقلت لك الإجماع في المسألة الأولى (وهي غير مسألة ثبوت الفرق بين المسائل الظاهرة والخفية في التكفير) عن أربعة من أهل العلم، أهملت اثنين منهم بحجة (أعطني غيرهم)!

وطعنت في صحة نقل الإجماع من الآخرين بحجة أنهم (من أهل البدع) وسبق الجواب عنه.

فأرجو ألا يكون هذا حفظك الله = اجتماع نادر (لغمط بعض المخالفين) و (بطر الحق عند البعض الآخر)!

وإن كان بطر الحق لايكون إلا عن غمط، إلا أنني والله أنزهك عن نسبة شئ منهما إليك.

إذ أن فعلك (كبر) وأما أنت فلا أصفك بذلك وحاشاك لأنني أعذرك ب (التأويل) في المسائل الخفية على طريقة أئمة الدعوة رحمهم الله ووفقك.

فأجبني حفظك الله عما سألتك.

وإني على سفر فاعذرني إن تأخرت عليك.

واسلم لمحبك

محب العلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير