((فنحن نستدلُّ بفعل الإنسان على عقيدته، فمتى رأينا شخصاً وقف عند قبر إنسانٍ معظَّمٍ في نفسه، وخضع برأسِه، وتذلَّل، وأهطع، وأقنع، وخشع، وخفَّض صوته، وسكنت جوارحُه، وأحضر قلبه ولبَّه، أعظم مما يفعل في الصَّلاة بين يديّ ربِّه عزَّ وجلَّ وهتف باسم ذلك المقبور، وناداه نداء من وثق منه بالعطاء، وعلَّق عليه الرَّجاء ونحو ذلك، فإنَّنا لا نشكُّ أنَّه والحالة هذه يعتقد أنَّه يعطيه سؤلَه ويدفع عنه السوءَ، وأنَّه يستطيع التصرُّفَ في أمرِ الله، ففعله هذا دليل سوء معتقده، فلا حاجة لنا أن نسألَه: هل أنت تعتقد أنَّه يضرُّ وينفعُّ من غير إذنِ الله؟ فالله تعالى ما كلَّفنا أن ننقِّب عن قلوب النَّاس، وإنَّما نأخذهم بموجب أفعالهم وأقوالهم الظَّاهرة، وهذا الشَّخص قد خالف قول الله تعالى: ?وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ (1) ?.
وقد رأينا خشوعه وتذلُّلَه أمام هذا المخلوق الميِّت، وذلك هو عين العبادة كما عرفنا، فنحكم عليه بموجب فعلهِ وقولهِ، بأنَّه قد أشرك بالله وتألَّه سواه)) (2).
ثم قال في "ردِّه على مبدِّل الحقائق":
((ثالثاً: ثم قال الكاتب في الصفحة الثالثة في أول السطر التاسع: أمَّا من اعتقد فيمن يناديه بأنَّه من أهل العطاء، وما ملَكَ إلاَّ بتمليك الله، ولا يتصرَّف إلاَّ بإذن الله فهو موحِّدٌ .. الخ.
فنقول: لا حاجة لنا في التَّنقيب عن معتقده، الذي يقوم بقلبه فإنَّه أمرٌ خفيٌّ، وقد يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فنحن نأخذه بالظَّاهر فإنَّ أفعالَه تعبِّر عن ما في ضميره ولو حاول تغييرَه لم يستطِعْ)) (3).
112. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان (1):
جاء في "المنتقى":
((فضيلة الشيخ صالح الفوزان وفَّقه الله لما يحبُّه ويرضاه السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ..
فقد كثُر الكلام في الآونة الأخيرة بين طَلَبَة العلم حول مسألةٍ مهمَّةٍ تتعلَّق بأصل الدِّين، وسأذكر بعض الأقوال الَّتي أرجو من الشيخ أنْ يبيِّن هل هي موافقة لعقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، أم أنَّ فيها شيئاً من الخلل:
1 - قول بعض النَّاس: (إنَّ عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة أنَّ العمل شرط في كمال الإيمان وليس شرطاً في صِحَّة الإيمان)، مع أَنَّه من المعلوم أنَّ الإيمان عند أهلِ السُّنَّة قولٌ وعملٌ، وأنَّه لا إيمانَ إلاَّ بعملٍ كما صرَّح بذلك بعضٌ أئمَّة السَّلف.
2 - قول بعض النَّاس: (إنَّ الكفر المخرِجَ من المِلَّة هو الكفر الاعتقاديُّ فقط، أمَّا العمل فلا يخرج من المِلَّة إلاَّ إذا كان يدلُّ على اعتقادٍ كالسجود لصنمٍ مثلاً، فإنَّه يعتبر كفراً لأنَّه يدلُّ على عقيدةٍ في الباطن لا لمجرَّد السُّجود فقط، ومثله سبُّ الله أو الاستهزاء بالدِّين أو نحوِ ذلك .. فلا يكفر الإنسان بعملٍ مهما كان).
أرجو من الشيخ – وفَّقه الله – أنْ يتفضَّل ببيان ما في هاتين المقالَتين من الحقِّ أو الباطل؟
سائلاً الله تعالى أنْ يوفِّقَه للصَّواب، وأنْ ينفَعَ به الإسلام والمسلمين.
وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه.
الجواب:
1 - القول الأول: هو قول مرجئةِ أهلِ السُّنَّة وهو خطأٌ، والصَّواب أنَّ الأعمال داخلةٌ في حقيقة الإيمان فهو اعتقادٌ وقولٌ وعملٌ يزيد بالطَّاعة، وينقص بالمعصية، وهذا قول جمهور أهل السُّنَّة لأنَّ الله سمَّى الأعمال إيماناً كما في قوله تعالى: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَليْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً (1) ?الآيتين. وقال النبي ?: (الإيمانُ بضعٌ وسبعونَ شعبة) الحديث (2).
2 - هذا في الغالب وهناك أعمال تخرج من الملَّة كترك الصَّلاة تكاسُلاً وكالسِّحر تعلُّمه وتعليمَه، ومن نطق بكلمة الكفر مختاراً، وكلُّ عملٍ لابدَّ أنْ يصاحبه قصدٌ، فلا يعتدُّ بعمل النَّاسي والنَّائم والصغير والمجنون والمكره لعدم القصد. هذا وأنصحُ لهؤلاء أنْ يتعلَّموا قبل أنْ يتكلَّموا لأنَّ الكلام في مثل هذه المسائل خطيرٌ، ويحتاج إلى علمٍ)) (3).
وقال أيضاً إجابةً على سؤالٍ:
¥