تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمثلاً رواية أبي هريرة عن البخاري هذا نصها: " حتى إذا فرغَ اللّهُ من القضاءِ بين العباد، وأَراد أَن يُخرج برحمِتِه من أَراد من أَهل النار أمر الملائكة أن يُخرجوا من النار من كان لا يُشركُ باللّه شيئاً ممّن أراد اللّه أن يرحمه ممّن يشهدُ أن لا إله إلا اللّهُ فيعرفونهم في النار بأثرِ السجودِ، تأكل النارُ ابن آدمَ إلا أثرَ السّجودِ، حرّم اللّه على النار أن تأكلَ أثرَ السجودِ، فيخرجونَ من النار قد امتُحِشوا فيُصَبّ عليهم ماءُ الحياةِ فَيَنبُتُون تحتَه كما تنبُت الحِبّةُ في حَميل السّيْل ". فهذه الرواية متفق عليها بين الشيخين. وفي رواية البخاري في الأذان، يشترك سعيد بن المسيب سيد التابعين في روايتها مع عطاء بن يزيد، قال بعد تمام الحديث: " وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة لا يغير عليه شيئاً من حديثه – ورواية مسلم لا يرد عليه من حديثه شيئاً – حتى انتهى إلى قوله (آخر الحديث): هذا لك ومثله معه. قال أبو سعيد: سمعت رسول الله ? يقول: " هذا لك وعشرة أمثاله ". قال أبو هريرة: حفظت مثله معه.

وفي رواية مسلم والبخاري في التوحيد: حتى إذا حدث أبو هريرة أن الله قال لذلك الرجل: ومثله معه. قال أبو سعيد: وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة، قال أبو هريرة: ما حفظت إلا قوله: لك ذلك ومثله معه. قال أبو سعيد: أشهد أني حفظت من رسول الله ? قوله: ذلك لك وعشرة أمثاله.

فهذا مما يرجح هذه الرواية؛ لا تفاق كلا الصحابيين عليها، وتصريح التابعي بأن أبا سعيد لم يغير، أو لم يرد على أبي هريرة إلا ما ذكر، فلديه زيادة علم ترجح روايته على رواية عطاء بن يسار عن أبي سعيد منفرداً، لا سيما وقد شاركه فيه سعيد بن المسيب، كما في رواية البخاري في الأذان.

ومما يقويه أن عطاء بن يسار نفسه عند البخاري، لم يرد فيها قوله: " لم يعملوا خيراً قط وهذا لفظها: " فما أنتم بأشَدّ لي مناشدةً في الحقّ قد تبينَ لكم من المؤمنين يومئذٍ للجبّار، وإذا رأَوْا أَنهم قد نَجوْا في إخوانِهم يقولون: ربّنا إخواننا الذين كانوا يصلون مَعَنا ويصومون معنا ويعملون معنا، فيقول اللّه تعالى: اذهبوا فمنْ وجَدتم في قلبه مثقال دينارٍ مِن إيمانٍ فأَخرِجوه، ويحرّمُ اللّهُ صُورَهُم على النارِ فيَأْتونهم وبعضهم قد غَاب في النار إلى قدمه وإلى أَنصافِ ساقيْهِ فيُخرِجونَ مَن عَرفوا ثم يَعودون، فيقول: اذهبوا فمن وَجَدْتم في قلبه مثقال نصف دينارٍ فأَخرجوه فيخرجون من عَرفوا ثم يَعودون، فيقول: اذهبوا فمنْ وجدْتم في قلبه مثقال ذرةٍ من إيمانٍ فأخرجوه فيُخرِجون من عَرفوا، قال أَبو سعيدٍ: فإِن لم تصدّقوني فاقرءوا:?إنّ اللّهَ لا يظلمُ مثقال ذرّةٍ، وإنْ تك حسنَةً يُضاعِفها? يَشفَعُ النبيّون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجَبّارُ: بقيت شفاعتي فيقبضُ قبضةً من النار فيُخرجُ أَقواماً قد امتُحِشوا فيلقَوْن في نهر بأَفواهِ الجنّةِ يُقال له ماءُ الحياة فينبُتُون في حافَتَيه كما تنبت الحَبّةُ في حميل السّيْل ". ثم يذكر ما سبق من قول أهل الجنة: " هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه ... " فلم يرد فيه ما يدل على عدم العمل، إلا قول أهل الجنة، وهم إما يقولون حسب ظاهر ما يعلمون كما جاء في فيه " فيخرجون من عرفوا " فإن كانت المعرفة بحسب عملهم به في الدنيا، فلا يخفى أن من الناس لا يعرف المؤمنون أن فيه خيراً، إن كانت بحسب أثر السجود -كما في الرواية الأخرى- فلا يبعد أن يكون في بعض المصلين من إساءة للصلاة، والإهمال الشديد في أدائها، مما لا يحصل له معه علامة ظاهرة للمؤمنين. والله أعلم.

أما سائر روايات الحديث عن الصحابة الآخرين، وعن أبي سعيد في غير تلك الرواية، فلا ذكر فيها لنفي العمل، بل هي كما رأينا مصرحة بأنهم من أهل الصلاة. وعليه فإن لم نقل: إن تلك الروايات غير محفوظة، نقول: لا بد من توجيهها وتخريجها بما يتفق والأصول والنصوص الأخرى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير