والآية الثانية: قوله تعالى:?من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة? فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعله خوفاً أو مداراة، أو مشحة بأهله أو وطنه أو عشيرته أو ماله، أو فعل على وجه المزح، أو لغير ذلك من الأغراض، إلا المكره. فالآية تدل على هذا من وجهين:
الأول: قوله تعالى:?إلا من أكره? فلم يستثني الله تعالى إلا المكره، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل، وأما عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها.
والثاني: قوله تعالى:?ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة? فصرح بأن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد والجهل والبغض للدين ومحبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظ من حظوظ الدنيا فآثره على الدين.
الردة تكون بالقول والفعل
تعريف الردة وأنواعها:
قال صاحب كفاية الأخيار أبو بكر بن محمد: الردة في اللغة: الرجوع عن الشيء إلى غيره ومنه قوله تعالى:?ولا ترتدوا على أدباركم?. وفي الشرع: الرجوع عن الإسلام إلى الكفر وقطع الإسلام. وتحصل تارة بالقول، وتارة بالفعل، وتارة بالاعتقاد وكل واحد من هذه الأنواع الثلاثة فيه مسائل لا تكاد تحصر فنذكر كل نبذة ما يعرف بها غيره.
أما القول: فكما إذا قال شخص عن عدوه: لو كان ربي ما عبدته فإنه يكفر. وكذا لو قال لو كان نبياً ما آمنت به، أو قال عن والده أو زوجته هو أحب إلي من الله أو من رسوله، وكذا لو قال مريض بعدما شفي: لقيت في مرضي هذا ما لو قتلت أبا بكر وعمر لم استوجبه فإنه يكفر. وذهب طائفة من العلماء: إلى أنه يتحتم قتله لأنه يتضمن قوله نسبة الله تعالى إلى الجور ..
وكذا لو ادعى: أنه أوحى إليه وإن لم يدع النبوة أو ادعى أنه يدخل الجنة ويأكل من ثمارها وأنه يعانق الحور العين فهو كفر بالإجماع، ومثل هذا وأشباهه كما يقوله: زنادقة المتصوفة قاتلهم الله ما أجهلهم وأكفرهم وأبلم من اعتقدهم، ولو سب نبياً من الأنبياء أو استخف به فإنه يكفر بالإجماع ..
وأما الكفر بالفعل: كالسجود للصنم والشمس والقمر وإلقاء المصحف في القاذورات والسحر الذي فيه عبادة الشمس وكذا الذبح للأصنام والسخرية باسم من أسماء الله تعالى أو بأمره أو وعيده أو قراءة القرآن على ضرب الدف ..
ولو فعل فعلاً أجمع المسلمون على أنه لا يصدر إلا من كافر وإن كان مصرحاً بالإسلام مع فعله كالسجود مع فعله كالسجود للصليب، أو المشي إلى الكنائس مع أهلها بزيهم من الزنانير وغيرها فإنه يكفر ..
وأما الكفر بالاعتقاد فكثيرة جداً فمن اعتقد: قدم العالم، أو حدوث الصانع، أو اعتقد نفي ما هو ثابت لله تعالى بالإجماع أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع كالألوان والاتصال والانفصال كان كافراً ..
والرضى بالكفر كفر، والعزم على الكفر كفر في الحال، وكذا لو تردد هل يكفر كفر في الحال، وكذا تعليق الكفر بأمر مستقبل كفر في الحال ..
إذا عرفت هذا فمن تثبت ردته فهو مهدور الدم لأنه أتي بأفحش أنواع الكفر وأغلظها حكماً. قال الله تعالى:?ومن يرتدد منكم عن دينه?. إلى قوله:?خالدون? وهل تستحب توبته أو تجب قولان: أحدهما تستحب لقوله عليه السلام: [من بدل دينه فاقتلوه]
والصحيح أنها تجب .. لأن الغالب في الردة أن تكون عن شبهة عرضت فلم يجز القتل قبل كشفها، والإستتابة منها كأهل الحرب فإنا لا نقتلهم إلا بعد بلوغ الدعوة وإظهار المعجزة. أ هـ
قول شيخ الاسلام ابن تيمية بكفر تارك الصلاة كفراً ينقل عن ملة الإسلام:
قال شيخ الاسلام رحمه الله: " ولهذا تنازع العلماء في تكفير من يترك شيئاً من هذه الفرائض الأربع بعد الإقرار بوجوبها، فأما " الشهادتان " إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين، وهو كافر باطناً وظاهراً عند سلف الأمة وأئمتها، وجماهير علمائها، وذهبت طائفة من المرجئة، وهم جهمية المرجئة: كجهم، والصالحي وأتباعهما، إلى أنه إذا كان مصدقاً بقلبه كان كافراً في الظاهر دون الباطن، وقد تقدم التنبيه على أصل هذا القول، وهو قول مبتدع في الإسلام لم يقله أحد من الأئمة، وقد تقدم أن الإيمان الباطن يستلزم الإقرار الظاهر، بل وغيره، وأن
¥