وخرج النسائي والترمذي وابن ماجه من حديث بردة، عن النبي، قال: [العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر]. (وصححه الترمذي وغيره)
ومن خالف في ذلك جعل الكفر هنا غير ناقل عن الملة، كما في قوله تعالى:?ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هن الكافرون?.
فأما بقية خصال الإسلام والإيمان، قال يخرج العبد بتركها من الإسلام عند أهل السنة والجماعة، وإنما خالف في ذلك الخوارج ونحوهم من أهل البدع.
قال حذيفة: " الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، والحج سهم، ورمضان سهم، والجهاد سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، وقد خاب من لا سهم له " .. وروي مرفوعاً والموقوف أصح.
فسائر خصال الإسلام الزائدة على أركانه الخمس ودعائمه، إذا زال منها شيء نقص البنيان، ولم ينهدم أصل البنيان بذلك النقص.
وقد ضرب الله ورسوله مثل الإيمان والإسلام بالنخلة:
قال الله تعالى:?ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها?
فالكلمة الطيبة، هي: كلمة التوحيد، وهي أساس الإسلام، وهي جارية على لسان المؤمن. وثبوت أصلها، هو: ثبوت التصديق بها في قلب المؤمن.
وارتفاع فرعها في السماء، هو: علو هذه الكلمة وبسوقها، وأنها تخرق الحجب، ولا تتناهى دون العرش.
وإتيانها أكلها كل حين، هو: ما يرفع بسببها للمؤمن كل حين من القول الطيب والعمل الصالح، فهو ثمرتها.
وجعل النبي مثل المؤمن - أو المسلم - كمثل النخلة.
وقال طاوس: " مثل الإيمان كشجرة، أصلها الشهادة، وساقها كذا وكذا، وورقها كذا وكذا، وثمارها الورع، ولا خير في شجرة لا ثمر لها، ولا خير في إنسان لا ورع فيه.
ومعلوم أن ما دخل في مسمى الشجرة والنخلة من فروعها وأغصانها وورقها وثمرها، إذا ذهب شيء منه لم يذهب عن الشجرة اسمها، ولكن يقال: هي شجرة ناقصة، وغيرها أكمل منها، فإن قطع أصلها وسقطت لم تبق شجرة، وإنما تصير حطباً.
فكذلك الإيمان والإسلام، إذا زال منه بعض ما يدخل في مسماه - مع بقاء أركان بنيانه - لا يزول به اسم الإسلام والإيمان بالكلية، وإن كان قد سلب الاسم عنه، لنقصه، بخلاف ما انهدمت أركانه وبنيانه، فإنه يزول مسماه بالكلية. والله أعلم.
شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:
من عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كإبليس وفرعون:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب: " ولنختم الكلام - إن شاء الله تعالى - بمسألة عظيمة مهمة جداً تفهم مما تقدم، ولكن نفرد لها الكلام لعظم شأنها، ولكثرة الغلظ فيها فيقول: لا خلاف أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما.
وهذا يغلط فيه كثير من الناس يقولون: هذا حق ونحن نفهم هذا، ونشهد أنه الحق، ولكنا لا نقدر أن نفعله ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم، وغير ذلك من الأعذار.
ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق، ولم يتركوه إلا لشيء من الأعذار كما قال تعالى:?اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً?
فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً وهو لا يفهمه، أو لا يعتقده بقلبه فهو منافق، وهو شر من الكافر الخالص لقوله تعالى:?إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار?
وهذه المسألة كبيرة طويلة تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس ترى من يعرف الحق ويترك العمل به لخوف نقص دنيا، أو جاه، أو مداراة لأحد، وترى من يعمل به ظاهراً لا باطناً فإذا سألته عما يعتقد بقلبه فإذا هو لا يعرفه ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله:
أولاهما: قوله تعالى:?لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم?، فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه المزح واللعب تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر، أو يعمل به خوفاً من نقص مال، أو جاه، أو مداراة لأحد أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها.
¥