تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذا الموضع ينبغي تدبره فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في هذا الباب، وعلم أن من قال من الفقهاء أنه إذا أقر بالوجوب وامتنع عن الفعل لا يقتل، أو يقبل مع إسلامه، فإنه دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية، والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة لا يكون بها شيء من الفعل، ولهذا كان الممتنعون من قبل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم في مسألة الإيمان، وأن الأعمال ليست من الإيمان وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب، وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع، سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان، أو جزء من الإيمان كما تقدم بيانه.

وحينئذ فإذا كان العبد يفعل بعض المأمورات، ويترك بعضها، كان معه من الإيمان بحسب ما فعله، والإيمان يزيد وينقص، ويجتمع في العبد إيمان ونفاق. كما ثبت عنه في الصحيح أنه قال: [أربع من كن فيه كان منافقا خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق، حتى يدعها، إذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر].

وبهذا تزول الشبهة في هذا الباب، فإن كثيراً من الناس، بل أكثرهم، في كثير من الأمصار لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة بل يصلون أحياناً، ويدعون أحياناً، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجرى عليهم أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام، فإن هذه الأحكام إذا جرت على المنافق المحصن - كابن أبي وأمثاله من المنافقين - فلأن تجري على هؤلاء أولى وأحرى.

وبيان هذا الموضع مما يزيل الشبهة: فإن كثيراً من الفقهاء يظن أن من قيل هو كافر، فإنه يجب أن تجري عليه أحكام المرتد ردة ظاهرة، فلا يرث ولا يورث، ولا يناكح حتى أجروا هذه الأحكام على من كفروه بالتأويل، من أهل البدع، وليس الأمر كذلك، فإنه قد ثبت أن الناس كانوا ثلاثة أصناف: مؤمن، وكافر مظهر للكفر، ومنافق مظهر للإسلام مبطن للكفر.

وكان في المنافقين من يعلمه الناس بعلامات ودلالات بل من لا يشكون في نفاقه ومن نزل القرآن ببيان نفاقه - كابن أبي وأمثاله - ومع هذا فلما مات هؤلاء ورثهم ورثتهم المسلمون، وكان إذا مات لهم ميت آتوهم ميراثه وكانت تعصم دماؤهم، حتى تقوم السنة الشرعية على أحدهم بما يوجب عقوبته.

ولما خرجت الحرورية على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، واعتزلوا جماعة المسلمين قال لهم: إن لكم علينا أن لا نمنعكم المساجد، ولا نمنعكم نصيبكم من الفيء فلما استحلوا قتل المسلمين وأخذ أموالهم قاتلهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: [يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فان في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم يوم القيامة].

فكانت الحرورية قد ثبت قتالهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، واتفاق أصحابه ولم يكن قتالهم قتال فتنة كالقتال الذي جرى بين فئتين عظيمتين في المسلمين، بل قد ثبت عن النبى صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أنه قال للحسن ابنه: [أن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين] وقال في الحديث الصحيح: [تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين فتقتلهم أدني الطائفتين إلى الحق]، فدل بهذا على أن ما فعله الحسن من ترك القتال أمراً واجباً أو مستحباً لم يمدحه النبي على ترك واجب أو مستحب ودل الحديث الآخر على أن الذين قاتلوا الخوارج أمر به النبي ليس قتالهم كالقتال في الجمل وصفين الذي ليس فيه أمر من النبي.

و (المقصود) أن علي بن أبي طالب وغيره من أصحابه لم يحكموا بكفرهم ولا قاتلوهم حتى بدؤوهم بالقتال. والعلماء قد تنازعوا في تكفير أهل البدع والأهواء وتخليدهم في النار، وما من الأئمة إلا من حكى عنه في ذلك " قولان " كمالك الشافعي وأحمد وغيرهم وصار بعض أتباعهم يحكي هذا النزاع في جميع أهل البدع، وفي تخلديهم، حتى التزم تخليدهم كل من يعتقد أنه لا يطلق كفر أحد من أهل الأهواء، وإن كانوا قد أتوا من الإلحاد وأقوال أهل التعطيل والاتحاد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير