تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونفاق العمل: كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: [آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان] وفي الصحيح أيضاً [أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، إذا خاصم فجر، وإذا ائتمن خان] فهذا نفاق عمل قد يجتمع مع أصل الإيمان، لكن إذا استحكم وكمل فقد ينسلخ صاحبه عن الإسلام بالكلية وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، فإن الإيمان ينهى المؤمن عن هذه الخلال، فإذا كملت في العبد ولم يكن له ما ينهاه عن شيء منها فهذا لا يكون إلا منافقاً خالصاً.

وكلام الإمام أحمد يدل على هذا، فإن إسماعيل بن سعيد الشالنجي قال: سألت أحمد بن حنبل عن المصر على الكبائر يطلبها بجهده، إلا أنه لم يترك الصلاة والزكاة والصوم، هل يكون مصراً من كانت هذه حاله؟ قال: هو مصر مثل قوله: [لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن] يخرج من الإيمان ويقع في الإسلام. ونحو قوله: [لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن]، ونحو قول ابن عباس في قوله تعالى:?ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون? (المائدة:44) قال إسماعيل: فقلت له ما هذا الكفر؟ قال: كفر لا ينقل عن الملة. مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر. حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه.

فصل

وها هنا أصل أخر، وهو أن الرجل قد يجتمع فيه كفر وإيمان، وشرك وتوحيد، وتقوى وفجور، ونفاق وإيمان، وهذا من أعظم أصول أهل السنة وخالفهم فيه غيرهم من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والقدرية، ومسألة خروج أهل الكبائر من النار وتخليدهم فيها مبنية على هذا الأصل، وقد دل عليه القرآن والسنة والفطرة وإجماع الصحابة قال تعالى:?وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون? (يوسف:106) فأثبت لهم إيماناً به سبحانه مع الشرك، وقال تعالى:?قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً إن الله غفور رحيم? (الحجرات:14)

فأثبت لهم إسلاماً وطاعة لله ورسوله مع نفي الإيمان عنهم، وهو الإيمان المطلق الذي يستحق اسمه بمطلقه:?الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله? (الحجرات:15) وهؤلاء ليسوا منافقين في أصح القولين، بل هم مسلمون بما معهم من طاعة الله ورسوله، وليسوا مؤمنين وإن كان معهم جزء من الإيمان أخرجهم من الكفار.

قال الإمام أحمد: من أتى هذه الأربعة أو مثلهن أو فوقهن - يريد الزنا والسرقة وشرب الخمر والانتهاب - فهو مسلم، ولا أسميه مؤمناً. ومن أتى دون ذلك - يريد دون الكبائر - سميته مؤمناً ناقص الإيمان، فقد دل عل هذا قوله صلى الله عليه وسلم [فمن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق] فدل على أنه يجتمع في الرجل نفاق وإسلام. وكذلك الرياء شرك، فإذا راءى الرجل في شيء من عمله اجتمع فيه الشرك والإسلام، وإذا حكم بغير ما أنزل الله، أو فعل ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم كفراً وهو ملتزم للإسلام وشرائعه فقد قام به كفر وإسلام وقد بينا أن المعاصي كلها شعب من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها شعب من شعب الإيمان. فالعبد تقوم به شعبة أو أكثر من شعب الإيمان، وقد يسمي تلك الشعبة مؤمناً، وقد لا يسمى. كما أنه قد يسمى بشعبة من شعب الكفر كافراً، وقد لا يطلق عليه هذا الاسم. فها هنا أمران: أمر اسمي لفظي، وأمر معنوي حكمي. فالمعنوي هل هذه الخصلة كفراً أم لا؟ واللفظي هل يسمى م قامت به كافراً أم لا؟ فالأمر الأول شرعي محض، والثاني لغوي وشرعي.

فصل

وهاهنا أصل آخر، وهو أنه لا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد أن يسمى مؤمناً، وإن كان ما قام به إيماناً. ولا من قيام شعبة من شعب الكفر به أن يسمى كافراً، وإن كان ما قام به كفراً. كما أنه لا يلزم من قيام جزء من أجزاء العلم به أن يسمى عالماً ولا من معرفة بعض مسائل الفقه والطب أن يسمى فقيهاً أو طبيباً، ولا يمنع ذلك أن تسمى شعبة الإيمان إيماناً، وشعبة النفاق نفاقاً، وشعبة الكفر كفراً. وقد يطلق عليه الفعل كقوله [فمن تركها فقد كفر]، و [من حلف بغير الله فقد كفر] (رواه الحاكم في صحيحه بهذا اللفظ)، فمن صدر منه خلة من خلال الكفر فلا يستحق اسم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير