ـ[العوضي]ــــــــ[24 - 04 - 03, 06:38 م]ـ
1 - تمسك بحبلِ الله وأتبعِ الهُدى --- ولا تكُ بدعيا لعلك تُفلحُ
2 - ودنْ بكتابِ الله والسننِ التي --- أتت عنْ رسول الله تنجو وتربحُ
بدأ الناظم منظومتَه في الاعتقاد بهذين البيتين العظيمين , وهذان البيتان فيهما الدعوة إلى الاعتصام بالكتاب والسنة والتحذير من البدع , وقد بدأ بهما قبل بيان الاعتقاد ومسائله على طريقة أهل السنة في كتب الاعتقاد وقد جرت عادتهم في الغالب على البدء بهذا الأمر , وهذا منهم تحديدٌ لمصدر التلقي في أصول الدين وفروعه ليكون بناء المعتقد وقيامه على أسس سليمة وأصول صحيحة قويمة , وعندما يُحدد العبد مصدره في التلقي , ويكون مصدره من المنبع الأساس وهو الكتاب والسنة , فإنه يرى ما سواه من المنابع مدراً , فلا يأخذ منها شيئاً ولا يجعلها مصدراً له في دينه وعقيدته , وإنما يتلقى من المنبع الصافي والمعين النقي الذي لا شائبة فيه ولا كدر , فيسلم له بذلك معتقده ويصح إيمانه.
وأهل السنة مصدرهم في التلقي هو: الكتاب والسنة , بهما يأخذون , وعنهما يتلقون , وعليهما يُعولون , لا يحيدون عنهما قيد اُنملةٍ بل هم كما قال الأوزاعي (ندور مع الكتاب والسنة حيث دارا) لا يُحدثون شيئاً من قِبل أنفسهم.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله (ليس الاعتقاد لي ولا لمن هم أكبر مني , الاعتقاد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم).
فمن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق والتسليم.
ولذا نجد كتب أهل السنة تبدأ بتحديد المصدر قبل بسط الاعتقاد , وهذا نستفيده مما كان يداوم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة , فكان دائما يقول في مقدمتها (أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله , وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها ... ) (1) الحديث. وتكراره صلى الله عليه وسلم لذلك كل جمعة فيه تأكيد على أهمية العناية بهذا المصدر وضرورة رعايته والمحافظة عليه.
قوله: (تسمك) التمسك في اللغة الأخذ بالشيء والاعتصام به , وهذا مأخوذ من قوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران 103)
وقوله تعالى (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (الأعراف 170)
(حبل الله) للعلماء فيه أقوال وأكثرها عند المفسرين: القرآن كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله , وهو مراد الناظم هنا , لأنه ذكر السنة بعده , والناظم رحمه الله بقوله (تمسك بحبل الله) يخاطب السُّنِّيَّ ويقول له: ليكن مرجعك دائماً وأبداً كتاب الله , ومع تسمك به.
(اتبع الهدى) أي: السنة.
والهدى في الكتاب والسنة يطلق على أمرين:
1 - التوفيق والإلهام
2 - الدلالة والبيان والإرشاد
ومن خلال السياق يمكن معرفة المراد. فقوله تعالى (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص56)
وقوله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (البقرة272)
وقوله تعالى (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (الأعراف178)
وقوله تعالى (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة6)
كل هذه الآيات في هداية التوفيق , وليست لأحد غير الله تعالى وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستهدي ربه فيقول في دعائه (اللهم إني أسألك الهدى والسداد) (2)
فالذي يشرح الصدر ويوفق ويهدي هو الله ولذلك قال سبحانه مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص56)
والأخرى هداية الدلالة والبيان.
¥