قال تعالى (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (فصلت17)
ولو كان من باب هداية التوفيق لما استحبوا العمى على الهدى.
وقال تعالى (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد10)
وهذه الهداية تكون كذلك للأنبياء والصالحين والعلماء ومن ذلك قوله تعالى في حق رسوله صلى الله عليه وسلم ( .. وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى52)
وقوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة24)
(اتبع الهدى) أي ألزم طريق الهدى والرشاد الذي بينه ودل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو خير هديٍ وأكلمه وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم (وخير الهدي هدي محمد) (3) وفي رواية (وخير الهدي) الهُدي: الدلالة والإرشاد , والهدي: الطريق , وهديه صلى الله عليه وسلم ما بينه للناس ودلهم عليه مما أوحى إليه ربه , فهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى , وهديه صلى الله عليه وسلم خير زاد ليوم المعاد , والوقوف بين يدي رب العباد.
وفي حثه رحمه الله على التمسك بالسنة إبطال لقول الطائفة الضالة يتسمون بـ (القرآنين) الذين يقولون: نحن لا نأخذ إلا بالقرآن , ومن كان كذلك فهو ليس بآخذٍ حتى بالقرآن , لأن الله قد أمر في كتابه في آيات عديدة بالأخذ بالسنة والتسمك بها, ولذا لا يكون العبد متمسكاً بالقرآن إلا إذا أخذ بالسنة , فلا بد من الأخذ بالأمرين معاً.
قال تعالى آمراً أمهات المؤمنين (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) (الأحزاب34)
وقال سبحانه (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر7).
الشطر الأول من البيت وهو قوله (تمسك بحبل الله وأتبع الهدى) فيه تحديدٌ للمصدر في التلقي , ولما حدده حذر من مخالفته فقال (ولا تك بدعياً).
وهو بهذا السياق يشير إلى أصل مهم وهو: أن من تخلى عن حبل الله وتخلى عن السنة فهو آخذ بسبيل بدعة وضلالة , ولذا عرف بعض أهل العلم البدعة:
فالناظم رحمه الله يقول: ولا تك بدعياً بترك الكتاب والسنة , وهو بهذا يشير إلى الهُوة العميقة التي سقط فيها المبتدعة جميعاً , وهي تركهم للكتاب والسنة , وإلا كانوا أهل سنة وجماعة , ولما كانوا أهل أهواء وبدع , فالبدعي هو: من ترك الكتاب والسنة ولم يتلق عنهما , ولم يأخذ دينه منهما.
ومن نَظَر إلى عامة أهل البدع وجد أن منشأ ضلالهم هو عدم التمسك بالكتاب والسنة إما بالاعتماد على العقول والآراء , أو المنامات , أو الحكايات , أو غير ذلك مما جعله أهل الأهواء مصدراً لهم في الاستدلال.
وقوله (لعلك تفلح) هذه نتيجة التمسك بالكتاب والسنة , واجتناب البدع.
والفلاح كلمة جامعة لخيري الدنيا والآخرة , وقد قيل لا كلمة في اللغة أجمع للخيرات من كلمة الفلاح , والفلاح لا يكون إلا بالتمسك بالكتب والسنة والإبتعاد عن البدع , ومن لم يتمسك بالكتاب والسنة , وذهب إلى شيء من تلك المصادر لم يفلح , ولهذا جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال (ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح) وعندما ناظر الشافعي بِشراً فتغلب عليه وخرج بشرٌ قال الشافعي (لا يفلح).
وهذا المعنى دل عليه القرآن الكريم كما في أول سورة البقرة في قلوه تعالى (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة1 - 5)
و (لعل) عند الناظم هنا ليست للترجي , لأن من اعتصم بالكتاب والسنة ففلاحه متحقق , إلا إن قُصِد فعلُ العبد بتحقيقه لهذا المقام وتتميمه لهذا الاعتصام.
وغداً إن شاء الله شرح البيت الثاني في الاعتصام بالكتاب والسنة ومجانبة البدع.
ــــــــــــ
1 - اخرجه مسلم برقم 867 من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه
2 - أخرجه مسلم برقم 2725 من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه
3 - اخرجه مسلم برقم 867 من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه
ـ[العوضي]ــــــــ[25 - 04 - 03, 03:14 م]ـ
2 - ودنْ بكتابِ الله والسننِ التي --- أتت عنْ رسول الله تنجو وتربحُ
(دن) فعل أمر من الفعل دان يدين ديناً
والمعنى: أقم دينك على الكتاب والسنة وآمن وأطع وامتثل ما جاء فيهما , بتصديق الأخبار وفعل الأوامر وترك النواهي.
وقوله (والسنن التي أتت عن رسول الله) السُّنن: جمع سنة , والمراد الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه , فقوله (أتت عن رسول الله) هذا تقييد وإرشاد إلى أن السنن لا بد أن تصحح حتى يؤخذ بها وتكون مقبولة , فإن صحت سواء بطريق التواتر أو الآحاد فهي حجة وعمدة في أمور الدين كلها العقيدةِ وغيرها.
قوله: (تنجو) لم يذكر من أي شيء , ليعم النجاة من كل شر وبلاء في الدنيا والآخرة , وقوله (وتربح) هذا زيادة على النجاة , فالنجاة رأس المال وفوقه أرباح متعددة بسحب قوة اعتصام المرء بالكتاب والسنة أرباح دنيوية وأرباح أخروية.
قال الله تعالى (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة38)
وقال تعالى ( ... فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) (طه123)
جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في معنى هذه الآية (تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة)
وإلى اللقاء في شرح البيت الثالث إن شاء الله
¥