تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولأجل هذا الإشكال المذكور اختلف العلماء في حكم الإقدام على النذر، فذهب المالكية: إلى جواز نذر المندوبات إلا الذي يتكرر دائماً كصوم يوم من كل أسبوع فهو مكروه عندهم، وذهب أكثر الشافعية: إلى أنه مكروه، ونقله بعضهم عن نص الشافعي للأحاديث الدالة على النهي عنه. ونقل نحوه عن المالكية أيضاً، وجزم به عنهم ابن دقيق العيد. وأشار ابن العربي إلى الخلاف عنهم، والجزم عن الشافعية بالكراهة. وجزم الحنابلة بالكراهة، وعندهم رواية في أنها كراهة تحريم، وتوقف بعضهم في صحتها، وكراهته مروية عن بعض الصحابة. اهـ بواسطة نقل ابن حجر في الفتح. وجزم صاحب المغني: بأن النهي عنه نهي كراهة.

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الظاهر لي في طريق إزالة هذا الإشكال، الذي لا ينبغي العدول عنه: أن نذر القربة على نوعين.

أحدهما: معلق على حصول نفع كقوله: إن شفى الله مريضي، فعلي لله نذر كذا أو إن نجاني الله من الأمر الفلاني المخوف، فعلي لله نذر كذا، ونحو ذلك.

والثاني: ليس معلقاً على نفع للناذر، كأن يتقرب إلى الله تقرباً خالصاً بنذر كذا، من أنواع الطاعة، وأن النهي إنما هو في القسم الأول، لأن النذر فيه لم يقع خالصاً للتقرب إلى الله، بل بشرط حصول نفع للناذر وذلك النفع الذي يحاوله الناذر هو الذي دلت الأحاديث على أن القدر فيه غالب على النذر وأن النذر لا يرد فيه شيئاً من القدر.

أما القسم الثاني: وهو نذر القربة الخالص من اشتراط النفع في النذر، فهو الذي فيه الترغيب والثناء على الموفين به المقتضي أنه من الأفعال الطيبة، وهذا التفصيل قالت به جماعة من أهل العلم.

وإنما قلنا: إنه لا ينبغي العدول عنه لأمرين:

الأول: أن نفس الأحاديث الواردة في ذلك فيها قرينة واضحة، دالة عليه، وهو ما تكرر فيها من أن النذر لا يرد شيئاً من القدر، ولا يقدم شيئاً، ولا يؤخر شيئاً ونحو ذلك. فكونه لا يرد شيئاً من القدر، قرينة واضحة على أن الناذر أراد بالنذر جلب نفع عاجل، أو دفع ضر عاجل فبين صلى الله عليه وسلم أن ما قضى الله به في ذلك واقع لا محالة، وأن نذر الناذر لا يرد شيئاً كتبه الله عليه، ولكنه إن قدر الله ما كان يريده الناذر بنذره، فإنه يستخرج بذلك من البخيل الشيء الذي نذر وهذا واضح جداً كما ذكرنا.

الثاني: أن الجمع واجب إذا أمكن وهذا جمع ممكن بين الأدلة واضح تنتظم به الأدلة، ولا يكون بينها خلاف، ويؤيده أن الناذر الجاهل، قد يظن أن النذر قد يرد عنه ما كتبه الله عليه. هذا هو الظاهر في حل هذا الإشكال. وقد قال به غير واحد. والعلم عند الله تعالى.

:

تنبيه

فإن قيل: إن النذر المعلق كقوله: إن شفى الله مريضي أو نجاني من كذا، فلله علي نذر كذا، قد ذكرتم أنه هو المنهي عنه، وإذا تقرر أنه منهي عنه لم يكن من جنس القربة، فكيف يجب الوفاء بمنهي عنه.

والجواب: أن النص الصحيح دل على هذا فدل على النهي عنه أولاً، كما ذكرنا الأحاديث الدالة على ذلك، ودل على لزوم الوفاء به بعد الوقوع فقوله صلى الله عليه وسلم: «وإنما يستخرج به من البخيل» نص صريح في أن البخيل يلزمه إخراج ما نذر إخراجه، وهو المصرح بالنهي عنه أولاً، ولا غرابة في هذا، لأن الواحد بالشخص قد يكون له جهتان. فالنذر المنذور له جهة هو منهي عنه من أجلها ابتداء: وهي شرط حصول النفع فيه، وله جهة أخرى هو قربة بالنظر إليها، وهو إخراج المنذور تقرباً لله وصرفه في طاعة الله، والعلم عند الله تعالى.

واعلم: أن النذر في اللغة النحب وهو ما يجعله الإنسان نحباً واجباً عليه قضاؤه، ومنه قول لبيد: ألا تسألان المرء ماذا يحاول أنحبٌ فيقضى أم ضلالٌ وباطل

وحاصله: أنه إلزام الإنسان نفسه بشيء لم يكن لازماً لها، فيجعله واجباً عليها وهو في اصطلاح الشرع: التزام المكلف قربة لم تكن واجبة عليه. وقال ابن الأثير في النهاية: يقال: نذرت أنذر وأنذر نذراً إذا أوجبت على نفسي شيئاً تبرعاً من عبادة أو صدقة أو غير ذلك. وقد تكرر في أحاديثه ذكر النهي عنه وهو تأكيد لأمره وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك إبطال حكمه، وإسقاط لزوم الوفاء به إذ كان بالنهي يصير معصية. فلا يلزم، وإنما وجه الحديث أنه قد أعلمهم أن ذلك أمر لا يجر لهم في العاجل نفعاً، ولا يصرف عنهم ضراً ولا يرد قضاء. فقال: لا تنذروا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير