2 - أن يكون سبحانه مرئيا ً في الدنيا لهذه الأمة بمن فيها من المنافقين , وإلا فكيف يعرفون صورته حتى إذا جاءهم في غيرها أنكروا واستعاذوا بالله منه , فإن ذلك الموقف أول موقف من مواقف القيامة ومعرفة الرائين لصورته الصحيحة دليل على أنهم رأوه قبل ذلك الموقف , وهذا يعني أنهم رأوه في الدنيا.
ودعوى البعض أن معرفتهم بصورته الصحيحة لا تستلزم تقدم رؤيته تعالى لإمكان أن يعرفوه من وصفه لنفسه ومن وصف الرسول الله صلى الله عليه وسلم له مدفوعة بما يلي:
1 - أن مُدعى معرفة صورته من وصفه لنفسه ومن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم مطالب ببيان كيفية هذه الصورة المزعومة كما يتخيلها , مع بيان الآيلت والأحاديث التي دلت عليها.
2 - أن روية أبي سعيد للحديث تبطل هذا المُدعى , فقد جاء فيها التصريح بأن هذه الرواية مسبوقة بغيرها , ونص ما جاء فيه عن مسلم " حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بَرّ وفاجر أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها " وهو دليل على أنهم إنما عرفوا صورته برؤية سابقة.
3 - أن الله سبحانه لو وصف نفسه لعباده بخلاف ما هو عليه أو وصف الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ربه بخلاف ما هو متصف به لزم وجود الكذب في كلام الله وكلام رسوله , تعالى الله عن ذلك وحاشا لرسوله.
4 - أن رواية صهيب في الصحيحين تدل على أن الرؤية إنما تكون بعد دخول الجنة زيادة في الثواب وذلك مناف لوقوعها في الموقف , ونص حديث صهيب " إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا , ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار! قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب من النظر إلى ربهم عز وجل " فكيف الحجاب بين هذه الروايات مع إبقاء لفظ الرؤية على معناها الحقيقي.
5 - اشتراك المؤمنين والمنافقين في الرؤية , مع أن معتقديها يصرونها في المؤمنين لاعتقادهم أنها أعظم نعمة من الجنة نفسها , وأنها إكرام عظيم من الله يختص به المؤمنين زيادة لهم في الثواب.
6 - أنَّ رؤيته تعالى تكون بكيفية واضحة- بخلاف ما يعتقدون – وذلك صريح في قوله " فيأتيهم ربهم في صورته التي يعرفون " فإن تمييزهم ما بين صورته المزعومتين واضح في أن الرؤية بكيفية , فكيف يدعي مدع بعد هذا أنما يرونه بلا كيف.
* قيل: فإذا تأملت هذه التناقضات في روايات أحاديث الرؤية علمت أنه لا تنهض بها حجة فإن التناقض في الرؤية تسقط حجيته في العمليات , فكيف بالاعتقاديات التي هي ثمرات اليقين؛ فإذن:
1 - لا مناص من هذا التناقض إلا بتأويل الرؤية في الأحاديث بالعلم , بأن تزداد معرفة المؤمنين بصفاته سبحانه يوم القيامة لما يشاهدونه من آياته العظام.
2 - أن دواوين السنة من الأحاديث ما يقضى باستحالة رؤية ذاته سبحانه وقد رواها معتقدوا الرؤية أنفسهم.
من ذلك ما جاء في صحيح مسلم قال: حدثنا أبو بكر بن شيبة حدثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن قتادة عن عبدالله بن شقيق عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال نور أنى أراه" ففي هذا استبعاد من الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أن تقع على ذات الله تعالى رؤية من مبصر واستنكار للقول بالرؤية.
• قال أبو عمر السمرقندي، عامله الله بلطفه الخفي: وإليكم الرد على الشبهات:
• استهل هؤلاء شبهاتهم بمقدمة قالوا فيها: " الروايات الواردة في رؤية الله تعالى متناقضة كل التناقض، ولايمكن الجمع بينها إلا بتأويل الرؤية بمعنى العلم؛ فالحديث الذي يتركز عليه اعتماد القائلين بالرؤية في لفظه كثير من الاشتباه؛ الذي لا يمكن أن يجاب عنه، إلا بضرب من التأويل، يؤدي إلى جعل الرؤية بمعنى العلم ... ".
============================
• والرد على مقدمتهم تلك – استهلالا- بشيء من الإجمال، على أنه سيأتي تفصيل الرد على بعض القضايا فيما بعد:
• أولاً: ليس ثمة تناقضات بين الروايات الواردة في إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى عند السلف – مطلقا – وسيتبين ذلك جليا في مناقشة زعمه ذلك فيما سيأتي من مباحث.
• ثانياً:لم يذكر وقوع أي اشتباه عند أحد من السلف – والصحابة منهم خاصة – لشيء من روايات الرؤية، فإن كان الصحابة قد أمروا تلك الروايات بالقبول والفهم دون ان تشتبه عليهم.
¥