قلت: وهذا الطعن لا يصح سنداً ولا متناً، فقد اعتمد الشيباني على رواية الطبري في تاريخه (5/ 475) عن أبي مخنف، و الأزرقي في أخبار مكة (1/ 201) بسند قال عنه الشيباني في الحاشية: " كل رجاله ثقات حتى ابن جريج "، وهذه الروايات لا تصح فأبو مخنف تالف لا تحل الرواية عنه، وأمّا رواية ابن جريج ففيها جهالة قال ابن جريج: سمعت غير واحد من أهل العلم ممّن حضر ابن الزبير حين هدم الكعبة وبناها "، فابن جريج لم يسمِّ شيوخه، وهو يروي عن الضعفاء، فلا نقبل الرواية حتى يسمي شيوخه، هذا من جهة السند أما من جهة المتن ففيه إساءة واضحة لصحابي جليل، وهو الرجل الذي أول ما دخل جوفه ريق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين قام بتحنيكه، وهو من فقهاء الصحابة المعدودين، وكان إذا ذكر ابن الزبير عند ابن عباس قال: " قارئ لكتاب الله، عفيف في الإسلام، أبوه الزبير وأمه أسماء وجده أبو بكر وعمته خديجة، وخالته عائشة، وجدته صفية، والله إني لأحاسب له نفسي محاسبة لم أحاسب بها لأبي بكر وعمر "
الخاتمة ونتيجة البحث:
- لا يصح حديث " حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار "
- على طالب العلم مراعاة أقوال الأئمة المتقدمين، والأخذ بعين الاعتبار أحكام أهل العلم ونقاد الحديث على الروايات المراد بحثها، حتى لا تصطدم أحكامنا بأحكام أهل العلم، وأن لا ندخل بسبب ذلك على الأحاديث الحسنة أحاديث لا تصح قد فرغ الأئمة من ردها.
- وجوب الرجوع إلى كتب علل الحديث المتخصصة والبحث عن أقوال أهل العلم ليس أمراً للتقليد وقفل باب الاجتهاد بل هو أخذ العلم من أهله ومعرفته من أربابه.
- لا يجوز الحكم على الكافر المعيّن بأنه من أهل النار، إلا من مات على الكفر وعلمنا حاله قبل أن يموت مثل فرعون وهامان وأبي جهل وأمثالهم.
- من معتقد أهل السنة والجماعة أن لا يلعن إلا من استحق اللعنة بنص من كتاب أو سنة.
- لا يعني التوقف في الحكم والتعيين على الكافر الميت بأنه من أهل النار أنه ليس بكافر، بل كل من دان بدين غير الإسلام فهو كافر، أما التعيين في أحكام الثواب والعقاب موكول إلى علم الله وحكمته.
- يجوز اللعن بوصف عام مثل: لعنة الكافرين والظالمين والمبتدعة والفاسقين لأن المراد الجنس لا الأفراد.
- لا يجوز لعن الكافر المعيّن الحي أو الميت الذي لم يظهر من شواهد الحال أنه مات على الكفر أو الإسلام.
- تحريم لعن المسلم العاصي الفاسق أو الفاجر.
- عدم جواز لعن يزيد بن معاوية لأنه لم يثبت في حقه أنه كان مظهراً للفواحش كما ادعى المدّعون.
- لا يجوز نسبة المسلم إلى كبيرة من غير تحقيق،فالروايات التي ذكرناها لا يمكن الاعتماد على واحدة منها، في اتهام يزيد بشرب الخمر وإباحة المدينة، فالأمر يتعلق بعدالة خليفة المسلمين، الذين كان فيهم العديد من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -، فإذا كان التحري وعدالة الشهود أساسية في إدانة أي شخص فما بالك في خليفة المسلمين في القرن المفضّل.
- عدم صحة إباحة المدينة، وأن انتهاك الأعراض لا أساس لها من الصحة،وتهدف إلى إظهار جيش الشام بأنه جيش بربري لا يستند لأسس دينية أو عقائدية أو أخلاقية.
- بل هذا الاتهام لا يقصد به الجيش الأموي فقط، بل يتعدى إلى ما هو أعظم وهو اتهام الجيش الإسلامي بأنه بربري، فإذا كانت مدينة المصطفى – عليه أفضل الصلاة والتسليم – لم تفلت من البطش والنهب وانتهاك الأعراض - كما جاءت بذلك الروايات – فما بالك بالبلدان التي افتتحتها الجيوش الإسلامية لنشر الإسلام.
- عدم إنكار معركة الحرّة، ولكن ننكر التضخيم والتهويل والكذب، والتي ذكرتها بعض المصادر التاريخية.
- على افتراض أنّ يزيد كان مظهراً للفواحش، فمن أين يعلم أنه ما تاب قبل الممات.
- في اللعن خطر جسيم، وقد يفضي بصاحبه للمهالك، بينما في السكوت النجاة.
- لا يجوز سب الأموات لأنهم أفضوا إلى ما قدموا، ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – حينما سمع رجلاً شتم أبا جهل فقال: " لا تسبوا الأموات فتؤذوا به الأحياء " – سلسلة الأحاديث الصحيحة (2379).
- لا يصح نسبة مقارفة يزيد للمسكرات وأنه ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويدع الصلوات، فو الله لو رميت هذه الأوصاف بمجنون لكان أولى ولصدّقناها، فكيف يعقل من خليفة للمسلمين في القرن المفضل الذين كان بهم أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – أن تنسب إليه هذه الأوصاف القبيحة، التي كان العربي الجاهلي يتعفف منها، ويتنزّهون منها، فكيف يمكن أن يقع يزيد في مثل هذه العظائم، ولِمَ لا يتزوج أجمل النساء وأفضلهنّ جاهاً ومكانة ونسباً؟ ويعمد إلى الزنا بأمه وأخته وبناته؟ فلا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم!
- الرواية التي نسبت للإمام أحمد بأنه يجوِّز لعن يزيد، لا تصح فهي منقطعة.
- لا يجوز لعن الكافر المعيّن، فمن باب أولى أن لا يلعن الفاسق المعيّن.
¥