ولا شكَّ أن من وصل حالهُ إلى تلك الحيرة والشك – إن لم يتداركه الله برحمته – أنه يُصبح زنديق ضال مضل، كما هي حال الزنادقة.
وهناك غير هؤلاء ممن اعترف بحيرته على سلوك هذا الطريق فمنهم:
محمد بن نامور أبو عبدالله الخونجي المتوفى سنة 646 هـ فقد قال عند موته: ما عرفت مما حصلتُه شيئاً سِوى أن الممكن يفتقر إلى المرجح، ثم قال:
الافتقار وصفٌ سلبيٌّ أموت وما عرفت شيئاً. [شرح الطحاوية المصدر السابق]
محمد بن سالم بن واصل الحموي المتوفى سنة 697 هـ، أحد المتأخرين وأبرعهم في الفلسفة والكلام، كان يقول: أستلقي على قفاي وأضع المِلحفة على نصف وجهي، ثم أذكر المقالات وحُجج هؤلاء وهؤلاء، واعتراض هؤلاء وهؤلاء حتى يطلع الفجر ولم يترجح عندي شيء. [مجموع الفتاوى (4/ 28)]
الإمام العلامة ابن دقيق العيد أبو الفتح القُشيري المتوفى سنة 702 هـ، وإن كان رحمه الله ليس مثلهم من جهة العلم والعمل لكنه ندم على سلوكه سبيل أولئك الأشاعرة المتكلمين المخالفين للسلف، والمخالفين حقيقةً لأبي الحسن الأشعري المنتسبين إليه،
قال عنه الإمام الذهبي: وقد كان شيخُنا أبو الفتح القُشيري يقول:
تجاوزتُ حَدَّ الأكثرينَ إلى العُلا وسافرتُ واستبقيتهم في المفاوزِ
وخُضتُ بحاراً ليسَ يُدركُ قعرها وسيرتُ نفسي في قَسِيمِ المفاوزِ
ولَجَجْتُ في الأفكارِ ثم تراجعَ اختياريْ إلى استحسانِ دينِ العجائزِ [العلو للعلي الغفار، للإمام الذهبي ص 188]
حتى الذين اشتهروا بالزندقة والضلال والخُبث، عند موتهم اعترفوا بتضييع أيامهم فيما منَّوا به أنفسهم من ذلك الكفر العظيم، ومن هؤلاء الصوفي الضال القائل بوحدة الوجود المشهور بابن الفارض قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: وابن الفارض – من متأخري الاتحادية – صاحب التائية المعروفة» بنظم السلوك «وقد نظم فيها الاتحاد نظماً رائق اللفظ، فهو أخبثُ من لحم خِنزير في صينيةٍ من ذهب، وما أحسنَ تسميتها» بنظم الشكوك «،لَمَّا حضرتهُ الوفاة أنشدَ:إن كانَ منزلتيْ في الحُبِّ عندَكمُ ما قد لقيتُ فقد ضيعتُ أيامي
أُمنيةً ظَفِرتْ نفسي بها زمناً واليومَ أحسَبُها أضغاثُ أحلامي [مجموع الفتاوي (4/ 73 - 74)]
ولذلك كاد الإمام الشوكاني أن ينزلق في طريق أولئك المتكلمين أهل الحيرة والشك، ولكنه بفضل الله تعالى رمي بذلك ولزم مذهب السلف
أهل السنة والجماعة، ولذلك قال عن نفسه:» واعلم أني عند الاشتغال بعلم الكلام وممارسة تلك المذاهب والنحل لم أزدد بها إلا حيرةً، ولا استفدتُ
منها إلا العلم بأن تلك المقالات خُزعبلات، فقلت إذ ذاك مُشيراً إلى ما استفدته من هذا العلم:
وغايةُ ما حصَّلتُهُ من مباحثي ومن نظري من بعدِ طولِ التَّدبُّرِ
هو الوقفُ ما بينَ الطريقينِ حيرةً فما عِلمُ من لم يلقَ غيرَ التحيُّرِ
على أنني قد خُضتُ منه غِمارهُ وما قنعتْ نفسي بدونِ التَّبَحُّرِ
وعن هذا رميتُ بتلك القواعد من حالق، وطرحتها خلفَ الحائط، ورجعتُ إلى الطريقة المربوطة بأدلة الكتاب والسنة، المعمودة بالأعمدة التي على
أوثقِ ما يعتمدُ عليه عباد الله وهم الصحابة ومن جاء بعدهم من علماء الأمة المقتدِين بهم السالكين مسالكهم، فطاحت الحيرة، وانجابت ظُلمة العماية،
وانقشعت وانكشفت ستور الغواية ولله الحمد … «[أدب الطلب ومنتهى الأرب (ص 146 – 147)]
فليت كل المخالفين لمنهج السلف أن يعودوا إليه مذعنين، ومما يخالفه تاركين، وأن يفعلوا كما فعل هؤلاء الأئمة الصالحين، من التمسك بسبيل الصحابة
وأتباعهم من المؤمنين أتباع سيد المرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ولذلك كل من خالف عن سبيل السلف فإنه يوجد عنده من الخطأ بقدر ما خالف فيه سواءً كان من المنتسبين للعلم أم من آحاد الناس،
¥