تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكنتُ أخافُ أن من إطلاق القول بإثبات العلو والاستواء والنزول، مخافة الحصر والتشبيه، ومع ذلك فإذا طالعت النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أجدها نصوصاً تشير إلى حقائق هذه المعاني، وأجدُ الرسول صلى الله عليه وسلم قد صرَّح بها مُخبراً عن ربه واصفاً لهُ بها، وأعلم بالاضطرار أنه صلى الله عليه وسلم كان يَحضرُ مجلسهُ الشريف والعالم والجاهل والذكي والبليد والأعرابي والجافي؛ ثم لا أجد شيئاً يُعقبُ تلك النصوص التي كان يَصفُ ربهُ بها لا نصاً ولا ظاهراً مما يصرفها عن حقائقها ويؤولها كما تأولها هؤلاء مشايخي المتكلمين: مثل تأويلهم الاستواء بالاستيلاء، ونزول الأمر للنزول، وغير ذلك، ولم أجد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُحذر الناس من الإيمان بما يظهر من كلامه في صفته لربه من الفوقية واليدين وغيرها، ولم يُنقل عنه مقالةً تدل على أن لهذه الصفات معاني أُخَر باطنة غير ما يظهر من مدلولها مثل فوقية المرتبة ويد

النعمة والقدرة وغير ذلك، وأجد الله عز وجل يقول: (الرحمن على العرش استوى) (خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) (يخافون ربهم من فوقهم) (إليه يصعد الكلم الطيب) … ثم ذكر الأدلة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على إثبات علو الله تعالى على خلقه على ما يليق بجلال الله تعالى وعظمته وأنه هو الظاهر المراد من هذه النصوص،

ثم قال: إذا علمنا ذلك واعتقدناه تخلَّصنا من شُبهة التأويل وعماوة التعطيل وحماقة التشبيه والتمثيل، وأثبتنا علو ربنا سبحانه وفوقيته واستواءه على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته، والحقُ واضحٌ في ذلك والصدور تنشرحُ له، فإن التحريف تأباه العقول الصحيحة مثل: تحريف الاستواء بالاستيلاء

وغيره، والوقوف في ذلك جهلٌ وعيٌّ، وع كون أن الرب تعالى وصف لنا نفسهُ بهذه الصفات لنعرفهُ بها، فوقوفنا عن إثباتها ونفيها عدولٌ عن المقصودِ

منه تعالى في تعريفنا إياها، فما وصف لنا نفسه بها إلا لِنُثبت ما وصف به نفسه ولا نقف في ذلك، وكذلك التشبيه والتمثيل حماقةٌ وجهالةٌ فمن وفَّقهُ

الله تعالى للإثبات بلا تحريفٍ ولا تكييفٍ ولا وقوفٍ فقد وقع على الأمر المطلوب منه إن شاء الله …

وختم رسالته بقوله: فرحم الله عبداً وصلت إليه هذه الرسالة ولم يُعاجلها بالإنكار، وافتقر إلى ربه في كشف الحق آناء الليل والنهار، وتأمل النصوص في الصفات، وفكر بعقله في نزولها وفي المعنى الذي نزلت له وما الذي أُريد بعلمها من المخلوقات، ومن فتح الله قلبه عرف أنه ليس المراد إلا معرفةُ الرب تعالى بها، والتوجه إليه منها، وإثباتها له بحقائقها وأعيانها كما يليقُ بجلاله وعظمته بلا تأويل ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل

ولا جمود ولا وقوف، وفي ذلك بلاغ لمن تدبر، وكِفايةٌ لمن استبصر … «[انظر رسالته ضمن الرسائل المنيرية (1/ 174 –

وقد مرَّ معنا شيئاً من كلامه في الوقفة الرابعة.

وأما ذِكرُ الدكتور لبعض العلماء ونسبته لهم إما إلى الأشاعرة أو الماتريدية فلا يدل ذلك على أن كُل علماء الأمة كذلك، و ذكرنا أنه قد يقع من بعض العلماء زلات وأخطاء، وليس معنا هذا أن نوافقهُ في خطئه بل نُنبه عليه، ونُحذر من ذلك الخطأ وخاصةً إذا كان هذا الخطأ في أمور الاعتقاد، ومعلومٌ بالاضطرار من دين الإسلام أن خير القرون في كُلِّ فضلٍ وعلمٍ وفهمٍ أنهم القرون الثلاثة والصاحبة رضوان الله عليهم لهم النصيب الأعظم من ذلك ثم التابعون لهم بإحسان من بعدهم، ولم يقع منهم خلاف في شيءٍ من أمور الاعتقاد ولله الحمد، وأما العصور المتأخرة فليست كذلك، وقد نبَّه العُلماءُ الجهابذة على الأخطاء العقدية التي يقع فيها كثير من المنتسبين للعلم، فمثلاً الحافظ ابن حجر العسقلاني وقع في أخطاء في العقيدة في شرحه المسمى: فتح الباري شرح صحيح البخاري، ونبَّه على أخطائه العلماء والأئمة أتباع السلف أهل السنة والجماعة بدون تجريحٍ لهُ ولا ذم متبعين في ذلك قولهُ صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فلهُ أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد، مع أن أمور الاعتقاد لا اجتهاد فيها بل نؤمنُ بها، ونهتدي بهدي نبينا صلى الله عليه وسلم فيها، وممن نبَّه على أخطاءه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير