ـ[أبو العبدين المصرى السلفي]ــــــــ[12 - 08 - 03, 11:54 ص]ـ
فتوى رقم: 6572
عنوان الفتوى: حقيقة موقف سيد قطب في موضوع الحاكمية
تاريخ الفتوى: 11 شوال 1421
السؤال
الإمامة عند أهل السنة من الفروع لا الأصول.
وقد قرأت لأحدهم مرة كلاما فيه انتقاد لسيد قطب رحمه الله وعد لزلاته ومنها أنه جعل توحيد الحاكمية من أنواع التوحيد وبالتالي جعل الإمامة الكبرى من الأصول وبذلك شابه الرافضة.
ما تعليقكم على هذا الكلام الذي حيرني
بارك الله فيكم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحاكمية مصدر صناعي يؤدي المعنى الذي يؤديه المصدر القياسي (الحكم)، ومعنى توحيد الحاكمية: أي إفراد الله سبحانه بالحكم والتشريع، وأنه سبحانه هو الحكم والمشرع، وأنه لا يشرك في حكمه أحداً.
ولا شك أن الحاكمية بهذا المفهوم من أصول الدين ومقتضيات "لا إله إلا الله" ومن توحيد الألوهية الذي نزلت به الكتب، وأرسلت لأجله الرسل، وهي قضية ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان عند قوله تعالى: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) [الشورى: 10] " ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن ما اختلف فيه الناس من الأحكام فحكمه إلى الله وحده لا إلى غيره، جاء موضحاً في آيات كثيرة، فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته، قال في حكمه: (ولا يشرك في حكمه أحدا) [الكهف: 26]. وفي قراءة ابن عامر من السبعة (ولا تشرك في حكمه أحدا)، وقال في الإشراك به في عبادته (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) فالأمران سواء كما ترى إيضاحه إن شاء الله، وبذلك تعلم أن الحلال ما أحله الله، وأن الحرام ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، فكل تشريع من غيره باطل، والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله، أو خير منه كفر بواح لا نزاع فيه، وقد دل القرآن في آيات كثيرة على أنه لا حكم لغير الله، وأن اتباع تشريع غيره كفر به، فمن الآيات الدالة على أن الحكم لله وحده قوله تعالى: (إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين) [الأنعام: 57] وقوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) [المائدة: 44] وقوله تعالى: (كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) [القصص: 88] والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً كقوله تعالى: (إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) [النحل: 100] وقوله تعالى: (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) [الأنعام: 121] وقوله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان) [يس: 60] والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً ". انتهى.
فمن حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر ظالم فاسق، كما حكم الله بذلك. فإن كان معتقداً صواب ما حكم أو جوازه فقد كفر كفراً مخرجاً من الملة، وإن حكم بغير حكم الله لشهوة أو هوى فكافر كفراً أصغر، وهو معصية وإثم كبير. وأما التشريع الوضعي وسن القوانين وإخضاع الناس لذلك فهذا كفر مخرج من الملة، وإن قال صاحبة إن شرع الله أعدل وأحسن.
فلابد أن تكون شريعة الله هي التي تحكم الأرض، وإليها رجوع الناس في شؤونهم وأحوالهم وتقاضيهم، ولهذا ركز سيد قطب رحمه الله على هذه القضية، وجعلها من أخص خصائص الألوهية، لأن الرضا بالتحاكم إلى غير الله ورسوله خروج من الإيمان، ومنافاة لتوحيد الألوهية.
ومن ينتقده في جعله ذلك من توحيد الألوهية، أو في غيره من أنواع التوحيد، أو أنه أضاف نوعا جديداً في التوحيد لم يعرفه السلف، فما أصاب في انتقاده، لأن تقسيم التوحيد إلى الأنواع المعروفة تقسيم علمي غير توقيفي، والخلاف فيه خلاف في طرق البيان لافي المضمون والمقتضى، فمن آمن بالله رباً، وجب أن يؤمن به سيدا وحكماً، لأن هذا من معاني اسم الرب سبحانه، ومن آمن بالله إلهاً لا إله غيره، وجب عليه أن يعتقد أنه سبحانه له الأمر وحده، كما له الخلق وحده، ومن آمن بأسماء الله وصفاته، وجب عليه أن يؤمن بأن الله هو الحكم، وأنه له الحكم، وأنه كما لا شريك له في ملكه، فلا شريك له في حكمه. فإدخال توحيد الحكم في الربوبية حق، وإدخاله في الألوهية حق، وجعله من معاني الإيمان بأسماء الله وصفاته حق، وإفراده بتعريف وبيان وجعله باباً من أبواب التوحيد حق، فالتوحيد كله مندرج تحت الإيمان بالله، والإيمان بالله تندرج تحته
¥