وهذا الأثر روي موقوفاً على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ابن جرير الطبري في تفسيره [5/ 400] ومرسلاً، أرسله عبد الله بن خليفة، أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة [1/ 305/برقم 593] وابن جرير الطبري [5/ 400] من طريق أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال: جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة. قال: فعظم الرب عز وجل وقال {وسع كرسيه السموات والأرض} إنه ليقعد عليه جل وعز فما يفضل منه إلا قيد أربع أصابع، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل إذا ركب.
هذا لفظ عبد الله في السنة، ولفظ ابن جرير:)) فما يفضل منه مقدار أربع أصابع، ثم قال بأصابعه فجمعها، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله ((.
وروى نحوه الخطيب البغدادي في تاريخه [8/ 52] في ترجمة الحسين بن شبيب، من طريق أبي بكر المروذي عنه عن أبي حمزة الأسلمي قال: حدثنا وكيع حدثنا أبو إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:)) الكرسي الذي يجلس عليه الرب عز وجل، وما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد ((.
)) قال أبو بكر المروذي: قال لي أبو علي الحسين بن شبيب، قال لي أبو بكر بن سلم العابد -حين قدمنا إلى بغداد-)) أخرج ذلك الحديث الذي كتبناه عن أبي حمزة ((فكتبه أبو بكر بن سلم بخطه وسمعناه جميعاً. وقال أبو بكر بن سلم: إن الموضع الذي يفضل لمحمد -صلى الله عليه وسلم- ليجلسه عليه. قال أبو بكر الصيدلاني: من ردَّ هذا فإنما أراد الطعن على أبي بكر المروذي وعلى أبي بكر بن سلم العابد ((اهـ من تاريخ بغداد.
قال سمير: وقد أعل هذا الحديث بأمرين:
الأول: عبد الله بن خليفة، ومدار الحديث عليه، لم يوثقه إلا ابن حبان، وقال ابن كثير في تفسيره [1/ 458])) ليس بذاك المشهور، وفي سماعه من عمر نظر ((.
الثاني: الاختلاف في إسناده، فبعضهم رواه موقوفاً على عمر، ومرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ومرسلاً لم يذكر فيه الصحابي. هذا من حيث الإسناد ().
وأما المتن فقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى [16/ 435 - 438] أن أكثر أهل السنة قبلوه، وله شواهد، وإنما حصل الاختلاف في قوله:)) فما يفضل منه إلا قيد أربع أصابع ((وهذا يخالف اللفظ الآخر)) فما يفضل منه مقدار أربع أصابع ((وهو لفظ ابن جرير، وقد رجحه شيخ الإسلام، وأبطل اللفظ الأول وعلل ذلك بأنه)) يقتضي أن يكون العرش أعظم من الرب وأكبر ((.
قال سمير: والمقصود أن صفة "القعود" لم ينكرها السلف بل أثبتوها، ولها شواهد: فمنها: ما رواه الإمام ابن خزيمة في "التوحيد" [1/ 246] بإسناده من حديث أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: كنت مع جعفر بأرض الحبشة فرأيت امرأة على رأسها مكتل من دقيق، فمرت برجل من الحبشة فطرحه عن رأسها، فسفت الريح الدقيق، فقالت:)) أكلك إلى الملك، يوم يقعد على الكرسي، ويأخذ للمظلوم من الظالم ((.
وذكره الذهبي في العلو [ص 82] بلفظ)) يجلس ((، وقال:)) روى نحوه خالد بن عبد الله الطحان عن عطاء بن السائب عن ابن بريدة عن أبيه. ورواه منصور بن أبي الأسود عن عطاء بن السائب فقال: عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه ((.
وروي في جلوس الرب آثار أخرى، منها حديث ابن عباس ولفظه:)) فآتي ربي فأجده على كرسيه أو سريره جالساً ((وحديث أنس:)) فأجده قاعداً على كرسي العزة ((وحديث أبي هريرة:)) فإذا نزل إلى سماء الدنيا جلس على كرسيه ((ذكرها ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية [ص 108 - 109]، ومنها أثر ابن عباس في تفسير استوى، قال: قعد، ذكره ابن القيم أيضاً [ص 251] وأثر قتادة:)) حتى إذا جلس على كرسيه ((رواه أبو الشيخ في العظمة [2/ 753] ولا يخلو إسناد منها من مقال ().
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى [5/ 527]:)) وإذا كان قعود الميت في قبره ليس هو مثل قعود البدن، فما جاءت به الآثار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من لفظ "القعود" و "الجلوس" في حق الله تعالى، كحديث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وحديث عمر رضي الله عنه وغيرهما، أولى أن لا يماثل صفات أجسام العباد ((اهـ.
¥