والمتأمل في كلام الشيخين، الكوثري والقحطاني لا يجد فرقاً كبيراً، فالأول طعن في الكتاب وفي مصنفه الإمام عبد الله، ورماه بالوثنية والتجسيم، والثاني أوقع الطعن على خارجة بن مصعب الإمام، ورماه بالكذب والتشبيه والتجسيم وسوء المعتقد، ومؤداهما واحد. نعم هنالك فرق، فالكوثري نسب الفضل لأهله، وإن كان بصيغة الطعن والشتم، لأن خارجة ليس وحده القائل بالجلوس، بل وافقه عليه الأئمة ومن روى أقوالهم واحتج لها بالآثار المرفوعة والموقوفة وجمعها في مصنف خصصه للرد على الجهمية المعطلة وغيرهم من المبتدعة الضلال، فهو أولى بنسبة الفضل إليه في إثبات الصفة المذكورة، كما لا يخفى.
وأما وصفهم بتلك الأوصاف الشنيعة: التجسيم، والتشبيه، والحشو، وغيرها، فقد دأب عليه الجهمية من قديم، فليس ببعيد ولا غريب على الكوثري، لكن العجب من القحطاني في متابعته له.
قال ابن القيم رحمه الله:
كم ذا مشبهة مجسمة نوا
أسماء سميتم بها أهل الحد
ما ذنبهم والله إلا أنهم
إن كان ذا التجسيم عندكم فيا
إنا مجسمة بحمد الله لم
بتة مسبة جاهل فتان
يث وناصري القرآن
أخذوا بوحي الله والفرقان
أهلاً به ما فيه من نكران
نجحد صفات الخالق الديان
قال سمير: ولم يكتف القحطاني بمتابعة الكوثري في طعنه وانتقاده للسلف، بل زاد عليه مسألتين:
الأولى: تكذيبه لخارجة بن مصعب.
والثانية: توهين السند به، مع أنه القائل وليس الراوي.
فالأثر رواه الدارمي عن أبيه عن خارجة قال:)) الجهمية كفار ... ((الخ.
فخارجة كما ترى ليس من رواة الأثر حتى يعلل به، كما زعم القحطاني، بل هو القائل، فإنكار الشيخ على الكوثري عدم تعليله للأثر بذلك قلب للحقائق. نعم، تعليله بسعيد بن صخر الدارمي، الراوي عن خارجة، صحيح، إذ هو مجهول كما قال أبو حاتم في الجرح والتعديل لابنه [4/ 34].
وأما خارجة بن مصعب فهو ضعيف في الحديث مع إمامته، وليس بكذاب، كما زعم الشيخ، عفا الله عنه.
ولعله اغتر بما ورد في ترجمته في التهذيب [3/ 76] والميزان [1/ 625] عن ابن معين، وغفل عن سبب ذلك، وقد فسره الأئمة، كابن حبان وغيره، كما سيأتي، فمثله لا يقال عنه كذاب، وإنما يكتفى بتضعيف روايته.
وقد اختلفت عبارات ابن معين فيه، فقال فيه كذاب، وقال: ليس بشيء، وقال: ضعيف، وقال: ليس بثقة.
وقال ابن حبان في المجروحين [1/ 284]:)) كان يدلس عن غياث بن إبراهيم وغيره، ويروي ما سمع منهم مما وضعوه على الثقات عن الثقات الذين رآهم، فمن هنا وقع في حديثه الموضوعات عن الإثبات، لا يحل الاحتجاج بخبره ((.
وساق ابن عدي له نحواً من عشرين حديثاً مناكير وغرائب، ثم قال: وهو ممن يكتب حديثه. عندي أنه يغلط ولا يتعمد.
قال الذهبي: كان له جلالة بخراسان.
ترجم له في السير [7/ 326] فقال:)) الإمام العالم المحدث، شيخ خراسان مع إبراهيم بن طهمان. روى مسلم عن يحيى بن يحيى قال: هو مستقيم الحديث عندنا، ولم ننكر من حديثه إلا ما كان يدلس عن غياث، فإنا كنا نعرف تلك الأحاديث. وقال الحاكم: هو في نفسه ثقة، يعني ما هو بمتهم.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. وقال ابن عدي: يغلط ولا يتعمد. وقال عباس عن يحيى: ليس بثقة. وقال عبد الله بن أحمد: نهاني أبي أن أكتب أحاديثه.
وقال الجوزجاني: يرمى بالإرجاء ((انتهى ملخصاً.
قال سمير: فقد تبين سبب ضعفه، وتكذيب ابن معين لروايته، وأن ذلك لا يدخله في عداد الكذابين، بل يضعف روايته.
هذا من حيث الرواية فقط، أما هو في نفسه فكما قال الإمام الذهبي في ترجمته:)) إمام عالم محدث شيخ خراسان ((، ولم يطعن في عدالته بفسق أو بدعة، سوى ما ذكره الجوزجاني السعدي أنه رمي بالإرجاء، وهذا لم يسلم منه بعض الأكابر، والأثر المذكور لا علاقة له بالإرجاء.
ومما يبين لك مكانته في الإمامة والعلم، ذكر الإمام عبد الله له وتخريجه لقوله في كتابه "السنة" في أكثر من موضع، وكذا اللالكائي في "السنة" له [2/ 306] ذكره في عداد الأئمة الذين نقل عنهم تكفير من قال بخلق القرآن.
وذكره كذلك الإمام ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية" [ص 232] فقال:)) قول خارجة بن مصعب رحمه الله تعالى: قال عبد الله بن أحمد في كتاب "السنة" حدثني أحمد بن سعيد الدارمي ... ((فساق الأثر المذكور هنا دون قوله:)) وهل يكون الاستواء إلا بجلوس ((.