تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإحكام الكلام إتقانه بتمييز الصدق من الكذب في أخباره، وتمييز الرشد من الغي في أوامره، والقرآن كله محكم بمعنى الإتقان، فقد سماه الله حكيمًا بقوله: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يونس: 1]. فالحكيم بمعنى الحاكم، كما جعله يقص بقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النمل: 76]، وجعله مفتيًا في قوله: {قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} [النساء: 127]. أي: ما يتلى عليكم يفتيكم فيهن، وجعله هاديًا ومبشرًا في قوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ} [الإسراء: 9].

وأما التشابه الذي يعمه فهو ضد الاختلاف المنفي عنه في قوله: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وهو الاختلاف المذكور في قوله: {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذاريات: 8، 9].

فالتشابه هنا: هو تماثل الكلام وتناسبه بحيث يصدق بعضه بعضا، فإذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر، بل يأمر به أو بنظيره أو بملزوماته، وإذا نهي عن شيء لم يأمر به في موضع آخر، بل ينهي عنه أو عن نظيره أو عن ملزوماته، إذا لم يكن هناك نسخ.

وكذلك إذا أخبر بثبوت شيء لم يخبر بنقيض ذلك، بل يخبر بثبوته أو بثبوت ملزوماته، وإذا أخبر بنفي شيء لم يثبته، بل ينفيه أو ينفي لوازمه، بخلاف القول المختلف الذي ينقض بعضه بعضًا، فيثبت الشيء تارة وينفيه أخرى، أو يأمر به وينهي عنه في وقت واحد، ويفرق بين المتماثلين فيمدح أحدهما ويذم الآخر.

فالأقوال المختلفة هنا هي المتضادة، والمتشابهة هي المتوافقة.

وهذا التشابه يكون في المعاني وإن اختلفت الألفاظ، فإذا كانت المعاني يوافق بعضها بعضًا، ويعضد بعضها بعضًا، ويناسب بعضها بعضًا، ويشهد بعضها لبعض، ويقتضي بعضها بعضًا، كان الكلام متشابهًا، بخلاف الكلام المتناقض الذي يضاد بعضه بعضًا.

فهذا التشابه العام، لا ينافي الإحكام العام، بل هو مصدق له، فإن الكلام المحكم المتقن يصدق بعضه بعضًا لا يناقض بعضه بعضًا، بخلاف الإحكام الخاص، فإنه ضد التشابه الخاص، والتشابه الخاص هو مشابهة الشيء لغيره من وجه مع مخالفته له من وجه آخر، بحيث يشتبه على بعض الناس أنه هو أو هو مثله وليس كذلك.

والإحكام هو الفصل بينهما، بحيث لا يشتبه أحدهما بالآخر، وهذا التشابه إنما يكون بقدر مشترك بين الشيئين مع وجود الفاصل بينهما.

ثم من الناس من لا يهتدي للفصل بينهما فيكون مشتبهًا عليه، ومنهم من يهتدي إلى ذلك، فالتشابه الذي لا يتميز معه قد يكون من الأمور النسبية الإضافية، بحيث يشتبه على بعض الناس دون بعض، ومثل هذا يعرف منه أهل العلم ما يزيل عنهم هذا الاشتباه، كما إذا اشتبه على بعض الناس ما وعدوا به في الآخرة بما يشهدونه في الدنيا فظن أنه مثله، فعلم العلماء أنه ليس مثله، وإن كان مشبها له من بعض الوجوه.

ومن هذا الباب الشبه التي يضل بها بعض الناس، وهي ما يشتبه فيها الحق والباطل، حتى تشتبه على بعض الناس، ومن أوتي العلم بالفصل بين هذا وهذا لم يشتبه عليه الحق بالباطل، والقياس الفاسد إنما هو من باب الشبهات؛ لأنه تشبيه للشيء في بعض الأمور بما لا يشبهه فيه.

فمن عرف الفصل بين الشيئين، اهتدى للفرق الذي يزول به الاشتباه والقياس الفاسد، وما من شيئين إلا ويجتمعان في شيء ويفترقان في شيء، فبينهما اشتباه من وجه وافتراق من وجه؛ فلهذا كان ضلال بني آدم من قبل التشابه، والقياس الفاسد لا ينضبط كما قال الإمام أحمد: أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس. فالتأويل في الأدلة السمعية، والقياس في الأدلة العقلية، وهو كما قال، والتأويل الخطأ إنما يكون في الألفاظ المتشابهة، والقياس الخطأ إنما يكون في المعاني المتشابهة.

ـ[المالكي الأحسائي]ــــــــ[11 - 09 - 06, 05:45 م]ـ

أشكر للأخوين الفاضلين تفضلها بالإجابة.

أما مسألة القرآن كله متشابه و كله محكم فهي ليست المسألة يا أخي الفاضل.

حينما ذكر الصفات -إذا لحظتم- لم يذكر إلا الصفات التي هناك خلاف مع الأشاعرة في إثبات المعنى.

والغريب أني رأيت الأشاعرة يستدلون بمثل هذه النصوص على تفويض المعنى، قالوا: إن كان المعنى معلوما فلا يكون متشابها،

أما دعوى أنه يقصد أن المتشابه هو الكيفية فهذا ليس في النص، إنما الذي في النص هذه الآيات والأحاديث من المتشابه، والمتشابه هو الذي لا يعلم تأويله إلا الله والتأويل هنا كما عند المفسرين تفسيره.

فأريد دليل ظاهر في أن المراد بنفي المتشابه هو الكيفية. لأني -لقلة اطلاعي- لم أقف على نص يقول الأيات التي تتكلم عن صفة السمع والبصر مثلا أنها من المتشابه، مع أن كيفيتها متشابهة.

أما مسألة نفي التجسيم الذي تفضل بالإجابة عنها أخ فاضل آخر، فسؤالي جواز نفيه أثناء الكلام على صفات الله،

وهذه الحجة: أن هناك من أتى ليسد لى المبتدعة وغيرهم فلا تصلح لأن المعتزلة-أبعدهم الله- ينفون أمور كثر بناءً على هذه القاعدة، قالوا: نسد على المبتدعة.

والتفريق بين المراد من جسم بمعنى التركيب وجسم بمعنى كذا، ليس في كلام الطبري. فلابد من دليل.

وأحب أن أذكر أمرين لا علاقة لهم في هذا البحث:

1/أني أدخل لمنتديات أشعرية -كما لغيرهم- وأقرأ ما يذكرونه وأحاول أن أرجع لما لدي من الكتب في هذه المسائل.

2/ اعتقد أن هذا المنتدى هو من أقوى المنتديات علميا، فاعتقد أن السؤال والاستشكال يفيدني، وأحب أن أعرف الحجة لما أعتقد وأعرف حجة الرأي الآخر ووجه دفعه.

وهناك بعض الإخوة يدخل دون أن يدلي بفائدة ويلمح ويتهم ويظن بي الظنون، ولا أظن أني هنا نافحت عن باطل وليس لي مرتبة علمية تسمح لي بأن أكون مُجِيدًا في بحث أو نظر. وكل ما أصنع هو الاستفادة والسؤال، والتعقيب إن كان في الجواب ضعف حجة أو استشكال.

فإن كان هذا ممنوعا ونشرا للباطل في رأي البعض فأرجو أ تنبهوني فأتوقف من السؤال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير