تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والصحيح خلاف ذلك، فإن على العالم أن يبين أن الأشاعرة والماتريدية هم من الفرق الهالكة وليسوا من أهل السنة والجماعة، أما من وافقهم في بعض بدعهم كتأويل بعض الصفات كالنووي وغيره ممن ذكرتهم الفتوى فغاية ما يسعنا قوله أن ندعو لهم بالعفو والمغفرة وأن ندين لهم بالفضل والعلم والتقوى كما شهدت بذلك أخبارهم، أما حكمهم فليس مما كلفنا الله به، وليس مهمة العلماء الدفاع عمن خالف شرع الله وسنة رسول الله ولو كان معذوراً باجتهاده، بل مهمتهم الدفاع عن السنة، وأما من خالف من العلماء فنحفظ له حقه وفضله ولا نقلده ولا نتابعه فيما زل فيه ونقول اجتهد وأراد الحق ولم يصبه فالله يعفو عنه.

لكن لا يجعلنا ذلك نزكي الأشاعرة والماتريدية ونحكم بأنهم من أهل السنة.

قالت الفتوى: (والخليفة المأمون كان جهمياً معتزلياً وكذلك المعتصم والواثق كانوا جهمية ضُلاَّلاً. ومع ذلك لم يفت أحد من أئمة الإسلام بعدم جواز الاقتداء بهم في الصلوات والقتال تحت رايتهم في الجهاد، فلم يفت أحد مثلاً بتحريم القتال مع المعتصم يوم عمورية، مع توافر الأئمة في ذلك الزمان كأمثال أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وأبي داود وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأضرابهم من كبار أئمة القرن الهجري الثالث. ولم نسمع أن أحداً منهم حرم التعامل مع أولئك القوم، أو منع الاقتداء بهم، أو القتال تحت رايتهم. فيجب أن نتأدب بأدب السلف مع المخالف).

قلت: يستمر الخلط بين حكم التعامل مع المبتدع وبين اعتباره من أهل السنة وعذره في مخالفته. وأول ما يبرز هنا أن الموقعين تناقضوا إذ نصوا في أول فتواهم على الفرق بين عامة الشاعرة وبين الغالي ممن وافق الجهمية، والمأمون والمعتصم من الغلاة الجهمية القائلين بخلق القرآن بل قد كفر جمهور السلف أصحاب هذه المقالة، ومع هذا تعاملوا معهم إن كانوا ولاة أمر أو قادة جيوش لكن مع هذا فقد بدعوهم وحكموا بخروجهم عن الفرقة الناجية.

فنحن هنا أمام قضيتين: الأولى: حكم الأشاعرة وغيرهم من الفرق وأنهم ليسوا من أهل السنة. والثانية: حكم التعامل مع الفرق المبتدعة ولاة كانوا أو علماء.

ولا علاقة للأولى بالثانية، فاليهود والنصارى وهم كفار خارجون عن الملة ومع هذا لهم أحكام تخصهم في معاملتهم وموقف المسلم منهم.

والفتوى للأسف خلطت القضيتين وربطت بينهما بعقد باطل باتفاق السلف.

أما أدب السلف مع المخالف فهذا غريب أن تذكره الفتوى لأن الكلام في حكم التعامل مع المبتدع لا في آداب الخلاف.

ثم أي أدب تريده الفتوى مع من لم يتأدب مع الله ورسوله، ونحن نعلم أن هذه الجملة هي الغاية التي من أجلها ساق الموقع هذه الفتوى، فسعادة المشرف من دعاة الحوار ومد جسور المحبة والألفة بين أهل السنة والفرق المبتدعة، ولهذا دأب في محاضراته على التهوين من شأن حديث الافتراق والأصول التي بنى السلف عليها مواقفهم من المخالفين، وإذا كان الموقعون على الفتوى يريدون منا التأدب بأدب السلف مع المخالفين فأنا أسوق شيئاً من مواقف السلف مع المخالفين لنعرف تماماً من هو الذي يسير على طريق السلف في هذه المسألة ومن هو أحق بهم:

قالَ الإمامُ محمّد بن الحسينِ الآجُرّيّ:» وبعد هذا نأمرُ بحفظِ السننِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وسننِ أصحابهِ رضيَ الله عنهم، والتابعينَ لهم بإحسانٍ، وقولِ أئمّةِ المسلمين مثلِ مالكِ بن أنَس، و الأوزاعِي، و سفيانَ الثّوري، و ابنِ المبارك، وأمثالهم، والشافعيِّ، و أحمدِ بن حنبل، و القاسمِ بن سَلام، ومن كانَ على طريقةِ هؤلاءِ منَ العلماءِ رضيَ الله عنهُم، وننبذُ مَن سِواهم، ولا نناظِر، ولا نجادِل ولا نخاصِم، وإذا لقيَ صاحبَ بِدعةٍ في طريقٍ أخذَ في غيرِه، وإن حضرَ مجلساً هوَ فيه قامَ عَنه، هكَذا أدّبَنا من مَضى من سلفِنا»

وعن سفيانَ الثّورِي: ((مَن جالسَ صاحبَ بِدعةٍ لم يسلَم من إحدى ثلاث: إمّا أن يكونَ فتنةً لغيرِه، وإمّا أن يقعَ بقلبِه شيءٌ يزلّ بهِ فيدخلُه النّارَ، وإمّا أن يقول: واللهِ لا أباليِ ما تكلّمُوا بهِ، وإنّي واثِق بنفسِي، فمن يأمَنُ بغيرِ اللهِ طرفةَ عينٍ على دينِه سلَبَه إيّاه)).

وعن الحسن: ((لا تجالِسُوا أهلَ الأهواءِ فإنّ مجالستَهم ممرضةٌ للقلوبِ)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير