قال أحمد بن محمد بن الحسين الديباجي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة قال حدثنا إسماعيل قال حدثنا عمرو بن عبد الغفار الصاغاني قال سمعت سفيان بن عيينه قال قال ابن شبرمة
... إذا قلت جدوا في العبادة واصبروا ... اصروا وقالوا لا الخصومة أفضل.
.. خلافا لأصحاب النبي وبدعة ... وهم لسبيل الحق أعمى وأجهل ...
وذكر أن فتى من أصحاب الحديث أنشد في مجلس ابي زرعة الرازي رضي الله عنه هذه الأبيات فاستحسنه وكتبت عنه
... دين النبي محمد اخباره ... نعم المطية للفتى آثاره
... لا تعدلن عن الحديث وأهله ... فالرأي ليل والحديث نهاره
... ولربما غلط الفتى أثر الهدى ... والشمس بازغة له أنواره ...
الاحتساب على البدع وأهلها واجب شرعي وليس ظلماً
درج أهل الأهواء والبدع والافتراق على تسيمة احتساب السلف الصالح على أهل الأهواء والبدع والافتراق، والتحذير من بدعهم وحماية عقيدة الأمة منها، ظلماً وعدواناً وحجراً، وكتماً للحرمات، وإرهاب للمخالف، واستعداءً عليه، وكان من أبرز هذه المزاعم: دعوى أن السلف الصالح أهل السنة ظلموا الفِرَق، وأنهم بانكارهم للبدع والمحدثات يفرقون المسلمين، وقد جهل هؤلاء أو تجاهلوا أنه قد ثبت في النصوص القاطعة أن هذه الأمة – كسائر الأمم السابقة – ستفترق، وأنه ستبقى طائفة واحدة من ثلاث وسبعين على الحق، كما قال الله تعالى:] ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك [، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لتتبعن سنن من كان قبلكم، وحذّر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع والمحدثات والأهواء والافتراق، وأخبر عن دعاة السُّبل وحذّر منهم، ومن دعاة الضلالة، وأمر الله تعالى بالاعتصام بحبل الله ونهى عن التفرق فقال سبحانه:] واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا [وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة والسنة، ونهى عن الفرقة والبدعة، وقد استجاب السلف الصالح، الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان لأمر الله تعالى وأمر رسوله النبي صلى الله عليه وسلم، وصدقوا خبره وأخذوا بوصيته، وقاموا بواجب النصيحة في نشر السنة، والنهي عن البدعة والتحذير منها وحماية الأمة من غوائلها. ومن ذلك:
لما حدثت الردة بعد موت رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم قيض الله لها أبا بكر فوقف وقفته الحازمة المشهورة، التي كسر الله بها موجة الردة، وأعز الله بها الدين، وأيده على ذلك الصحابة – بإجماع – وناصروه.
ولما ظهرت بعض بذور البدع في عهد عمر: كالكلام في القدر، والاحتجاج على المعاصي، ومتشابه الآيات، فأقام عمر معوجها بدرته المشهورة، فأدّب صبيغ لخوضه في الآيات المتشابهات، وأدب الأمة كلها عندما هدد النصراني القدري – بطريرك الشام – كما زعم أن الله لا يضل من يشاء، كما أدب عمر الأمة كلها كذلك بقطع شجرة الحديبية لقطع دابر البدع، ونهى الذين كانوا يرتادون مواطن محددة للتعبد عندها مما لم يرد به الشرع.
ونهر كعب الأحبار، وقال له: " لقد ضاهيت اليهودية " حينما أشار كعب أن يصلي عمر إلى الصخرة في بيت المقدس.
وأدب علي الشيعة الغلاة، وحرقهم في النار حينما علم أنهم يغلون فيه ويقدسونه، وأمر بجلد المفترية من الشيعة الذين فضلوه على أبي بكر وعمر.
ولما ظهرت الخوارج قيض الله لها سائر الصحابة وعلى رأسهم عليّ t وابن عباس فأقاموا عليهم الحجة، وبينوا لهم المحجة حتى رجع منهم من كان يريد الحق، وأصر أهل الأهواء على بدعتهم. فقاتلهم الصحابة احتسابا وامتثالا لأمر رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم، وقمعاً لبدعنهم، وحذّروا منهم ومن مجالستهم.
ولما ظهرت القدرية في النصف الثاني من القرن الأول تصدى لها متأخروا الصحابة: كعبد الله بن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وواثلة بن الأسقع y وكان من أشدهم على القدرية ابن عمر، الذي حذر منها، وأنذر، وكشف عوارها، وحذر من معبد الجهني رأس القدرية وأصحابه، ونهى عن مجالستهم ومخالطتهم والتلقي عنهم، وكذلك ابن عباس، وكذلك لما أعلن غيلان الدمشقي بدعة القول بالقدر، تصدى لها التابعون وعلى رأسهم مجاهد، والخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، وريحانة الشام الأوزاعي، لكنه أصر على بدعته حتى قتله هشام بن عبد الملك لبدعته، وقد زعم أهل الأهواء أن قتله كان سياسياً!
¥