تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

'الطريق الثالث: يقول من الطرق: طريقة الجنيد قدَّس الله روحه، وهو خلال شرائط: دوام الوضوء، ودوام الصوم، ودوام السكوت، ودوام الخلوة، ودوام الذكر وهو قول: لا إله إلا الله، ودوام ربط القلب بالشيخ، واستفادة علم الواقعات منه بفناء تصرفه في تصرف الشيخ، ودوام نفي الخواطر، ودوام ترك الاعتراض على الله تعالى في كل ما يرد منه عليه ضراً كان أو نفعاً".

أقول: هذه هي الجبرية المطلقة، والاستكانة المطلقة، ويقول:

" الآن أصبحت منفعلاً لما تختاره مني ففعلي كله طاعات

يجلس وما يتصرف فيه الله فهو الفعل، وهو الطاعة '.

وكما قلنا هذا في حال الخلوة، وقد ترك الجمعة، والجماعة، والعبادات.

إلى أن يقول:

' وترك السؤال عنه مِن جنة، أو تعوذ من نار'.

أقول: معنى هذا أنه يُحذِّر في هذه الحالة أن يسأل الله الجنة، أو يتعوذ به من النار، وانظروا إلى هذا الربط بما ذكره محمد علوي مالكي في كلامه ونقولاته السابقة، وما ذكرناه هناك من أنَّهم لا يسألون الله الجنة، ولا يستعيذون به من النار، ويعتبرون أنهم لو سألوا الله الجنة في تلك اللحظة، والاستعاذة به من النار: تفرق جمعيته - يعني: تشتت قلبه - ولا يمكن أن يعود إلا بأن يبدأ الخلوة مِن أولها، ويبدأ الأذكار من أولها حتى يجتمع قلبه على المحبوب وحده فقط، فلا ينظر إلى جنَّة، ولا إلى نار، ولا لأيِّ شيءٍ كان.

وإلى هنا هذا هو مقام المشاهدة.

يُحذِّرنا الغزالي يقول: إن الإنسان عندما ينتقل من مقام المشاهدة إلى مقام المكاشفة تبدأ الصور تظهر أمامه فيقول له: كيف تفرق بين الصورة؟ كيف تعرف حقائقها؟

يقول: 'والفرق بين الوجودي والنفسي والشيطاني في مقام المشاهدة أن الوجود شديد الظلمة في الأول - يعني: ترى الشيء مظلماً جدّاً - فإذا صفا قليلاً تشكَّل قُدَّامك بشكل الغيم الأسود، فإذا كان هذا المتشكِّلُ عرشَ الشيطان كان أحمر، فإذا صلح وفنيت الحظوظ منه، وبقي الحقوق صفا وابيضَّ مثل المزن وهذا هو الوجود.

والنفس إذا بدَت فلونها لون السماء، وهي الزرقة، ولها لَذَعان كلذعان الماء من أصل الينبوع؛ فإذا كانت عرشَ الشيطان - أي: النفْس -: فكأنها عينٌ مِن ظلمةٍ ونارٍ، ويكون لذعها أقل، فإنَّ الشيطان لا خير فيه، وفيضان النَّفس عن الوجود، وتربيته منها، فإن صفَت وزكت: أفاضت عليه الخير وما نبت منه، وإن أفاضت عليه الشر: فكذلك ينبت منه الشر'.

أقول: عرفنا الوجود، وعرفنا النفس، فكيف نعرف الشيطان؟

ومن يريدها في الخلوة في حالة الانتقال من مقام المشاهدة إلى مقام المكاشفة كيف يرى الشيطان ويعرفه؟

يقول: 'الشيطان نار غير صافية، ممتزجة بظلمات الكفر، في هيئة عظيمة، وقد يتشكل قُدَّامك كأنَّه زنجي طويل ذو هيبة يسعى كأنه يطلب الدخول فيك، فإذا طلبت منه الانفكاك فقل في قلبك: يا غياث المستغيثين أغثنا؛ فإنه يفر عنك'.

في هذه المرحلة -أي التخلص مِن النفس، ومِن الوجود- يلتحم بالوجود الكلي -المطلق عندهم- ومن الشيطان الذي يأتيه -كما يقول- في صورة زنجي أسود طويل يريد أن يدخل فيه.

هذه المرحلة -مقام المشاهدة- تعرض للمريدين، ويرون هذه الصور، ويرون هذه الخيالات، وما هي إلا بعض مِن خرافاتهم، ثم ينتقلوا مِن مقام المشاهدة إلى مقام المكاشفة، والتي بعدها يروْن الرسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويرون الله، ويروْن الحقائق كلها، لكن -على كل حال- مَن لم يمر بهذا الشيء: فلا يمكن أن يحصل له ذلك.

والآن ننتقل إلى الطريق الأخير عندهم وهو الشطحات:

عندما ينتقل الإنسان إلى مقام المكاشفة، أو يتعمق في الكرامات والكشوفات: يصل إلى درجة الشطحات.

يقول الغزالي في الإحياء [2/ 19]: 'العارفون بعد العروج إلى سماء الحقيقة اتفقوا على أنهم لم يروا في الوجود إلا الواحد الحق - يعني: الله فقط! ليس في الوجود إلا هو - لكنَّ منهم من كان له هذه الحالة عرفاناً علميّاً، ومنهم من صار له ذوقاً وحالاً وانتفت عنهم الكثرة بالكلية، واستغرقوا بالفردانية المحضة، واستهوت فيها عقولهم؛ فصاروا كالمبهوتين فيه، ولم يبقَ فيهم متسعٌ لذكر غير الله، ولا لذكر أنفسهم أيضاً فلم يبق عندهم إلا الله؛ فسكِروا سكراً وقع دونه سلطان عقولهم، فقال بعضهم: أنا الحق -كالحلاج - وقال الآخر: سبحاني ما أعظم شأني -كأبي يزيد البسطامي مثلاً- وقال الآخر: ما في الجبة إلا الله،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير