تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالصوفية أخذوا هذه الفكرة مِن أفلاطون، ولا تستغربوا عندما أقول: أخذوها من أفلاطون؛ بينما أنا أقول: إن أصل التصوف هندي؛ لأنَّ البيروني نفسه ذكر هذا، وهذا معروف أيضا في تاريخ الفكر الأوروبي؛ فاليونان لم يكونوا يملكون فكراً فلسفيّاً، وإنَّما كانوا يقتبسون مِن الهند، والجنس الآري: يجمع الأوروبيين بالهنود في جنس واحد، ثم لما وُجدت لهم فلسفاتهم -أفلاطون، وأرسطو، وأمثالهم- استغنوا، وانفصلوا عن الهنود في حين أن أرسطو، وأفلاطون يُعتبروا متأخرين، بينما فلاسفة الهنود كانوا قبل آلاف السنين قبل الميلاد.

والحاصل: أن هذا العقل المطلق عند أفلاطون سماه الصوفية: [القطب الأعظم] أو [واحد الزمان]، أو [الغوث الأكبر]، أو نحو ذلك، ويقولون - كما في طبقات الشعراني [1/ 173]- يقول: ' لو لم يصبح واحد الزمان يتوجه في أمر الخلائق مِن البشر لفاجأهم أمرُ الله عز وجل فأهلكهم 'اهـ.

يقول: إن مهمة القطب هذا أنه لو كان أمر الله يأتي البشر مباشرة؛ بأن يأمر الله أن هذا يحيا، وهذا يموت، وهكذا -مباشرة- فلن يتحمل البشر، وسيفاجأهم الأمر، يهلكهم، فيحتاج الله - والعياذ بالله - إلى واسطة يتلقَّى الأمر، ثم هو ينفذه في الكون، وهو الغوث، وهو واحد الزمان، أو القطب الأعظم، ويقولون: "لو أنَّ المدد الحقيقي ورد في هذا العالم مِن عارفيْن على السواء لسرى في قلوب الآخذين -أي: المتلقين للمدد- الشرك الخفي".

يعني: لابد أن يكون القطب واحداً، ولذلك فالرفاعي الذي ذكرتُه لكم تعيينه قطباً، يقول: حتى النَّبيين سلَّموا له، والصديقين كلهم، والأبدال جميعاً، والنجباء، والنقباء كلهم سلَّموا له؛ لأنَّه لابد أن يكون واحداً، لماذا؟ قالوا: لو كانوا اثنين ربما يدخل الناس في الشرك!!

سبحان الله! كأن الصوفية يحاربون الشرك، قالوا: لابد أن يكون القطب الواسطة بين الله والخلق، المتصرف في الأكوان: واحداً!

والعجيب: أنَّ كل طائفة مِن طوائف الصوفية تدَّعي القطبيَّة العظمى لشيخها فقط دون مَن سواه، وبذلك فرَّقوا الأمة ومزقوها.

والغريب: أنَّ الرفاعي، والقادري كانا متعاصريْن، فإذا كان القطب واحداً فأيهما كان هو المتصرف في الكون؟!

نتركه لكلام الصوفية، ولهؤلاء الخرافيين الذين يقولون: نحن أهل السنة والجماعة، نفرق الأمة عندما نقول: اتركوا هذه الخرافات!! فماذا يكون جوابهم عن وجود قطبين في وقت واحد؟ الله أعلم.

المهم: أن بعضهم -أيضاً- يدَّعي أنَّه أعلى مِن درجة القطبية، فمثلاً: أحمد الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية يدَّعي ذلك، فقد نقل عنه الشعراني أنَّه قال له أحد تلاميذه: يا سيِّدي أنت القطب؟ فقال: نزِّه شيخك عن القطبيَّة، فقال: وأنت الغوث؟ فقال: نزَّه شيخك عن الغوثيَّة!!

ويعلِّق الشعراني على هذا قائلا: قلت: 'وفي هذا دليل على أنَّه تعدَّى المقامات، والأطوار؛ لأنَّ القطبيَّة، والغوثيَّة مقامٌ معلومٌ، ومن كان مع الله وبالله فلا يُعلم له مقام، وإن كان له في كلِّ مقامٍ مقالٌ والله أعلم' اهـ.

يقول: إنَّ الصوفية متفقون على أنَّه ليس بعد القطبية إلا الألوهية، وفيما أعلم أنه ليس هناك عندهم خلاف في هذا، فدرجة القطب أعلى درجة، وليس هناك مقام أعلى مِن مقام القطبيَّة.

إذاً: فهذا يتفق مع دعواهم الاتحاد بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أو حلول الله فيهم، أو وحدة الوجود، أي: أنه ليس بعد درجة القطبية إلا أن يكون في درجة الألوهية فيتحد بالله؛ فكأنَّه هو الله!! وليس هذا غريباً بعد أن سمعنا ما سمعنا من كلامهم، ونعلم جميعاً ما صرَّحوا به من قولهم: أنا الله! وما في الجبة إلا الله! وقول ابن عربي:

العبد رب والرب عبد

فهذا كله جائز.

أعمال القطب الأعظم عند الصوفية

بقيَ أن نتحدث عن بعض أعمال القطب الأعظم، غير تصرفه في الكون! وإنقاذه الملهوفين وإغاثتهم! مما سيأتي ذكره في الكرامات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير