ونتابع الكلام عن هذه الكرامات - بزعمهم - ودعواهم مع التنبيه إلى قضية مهمَّة وهي أنَّني تعمَّدتُ أن أحذف تعقيداتهم، وما يذكرونه مِن الكفريَّات، والشركيَّات المعقدة التي فيها وحدة الوجود، والحلول والاتحاد، ومنها باطنيَّة، وزندقة، وغير ذلك مِن التعقيدات الفلسفيَّة التي تعمَّدتُ حذفَها؛ لأنَّ كلَّ أحدٍ لايستطيع أنْ يفهمها بخلاف هذه المدَّعاة "كرامات"؛ فإنَّ كلَّ أحدٍ -ولله الحمد- يعرف بطلانها، ويعرف كذبها، ويستدل بها على كذبهم في الباقي.
وأيضاً: لأنَّ هذه الكرامات يدَّعون أنَّهم إنَّما أُعطوْها لوراثتهم للَّنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولأنَّ كراماتهم هذه هي كالمعجزات بالنِّسبة للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل هي تأييد للمعجزات بنظرهم؛ ولذلك سنقتصر عليها دون الشركيَّات، والكفريَّات الأخرى.
هذا الشيخ أحمد يقول تلميذه: -كما يصف النبهاني -: ' كنتُ جالساً عنده وحدي، فخطر لي خاطر هل للشيخ قوة التمكين؟ فقال: نعم، لنا قوة التمكين؟! '
قضية دعوى علم الغيب وعِلم ما في خاطر المريد، وقضية ادِّعاء قوة التمكين، وهي السيطرة على الكون.
يقول النبهاني عن الشيخ محمد المعروف بأكَّال الحيَّات: ' هو الشيخ الصالح المعروف بأكَّال الحيَّات، وغيرها مِن الهوامِّ كالخنافس، وما في معنى ذلك، فيرى الخنافس زبيباً، والحيَّة قثاء '.
شطحات الكليباني
كما يقول أيضاً عن أبي الخير الكليبانى: ' كان لا يفارق الكلاب في أي مجلسٍ كان '.
نحن نذكر بأنَّ الشياطين تتمثل في صورة الكلاب، وفي غيرها مِن الحيوانات، لكن بالأخص الكلاب، وقد وَرَدَ في الحديث: {الكلب الأسْود شيطان} [46].
ويقولون عنه: ' كان لا يفارق الكلاب في أيِّ مجلسٍ كان فيه حتى في الجامع، والحمَّام، وكان كلُّ مَن جاءه في حملة -والحملة: الحاجة، يسمُّونها "حملة"، ويسمُّون شيوخهم "أصحاب الحمْلات"- فكان كل من جاءهم بحملة، يقولون له: اشترِ رطل لحم شواء لهذا الكلب وهو يقضي حاجتك! '
قال المناوي: ' وكان أكثر إقامته بـ"باب زويلة"، ويتعرى عن جميع ثيابه تارة، ويلبس أخرى، وكان يدخل الجامع بالكلاب، فأنكر عليه بعض القضاة، فقال: هؤلاء لا يحكمون باطلاً، ولايشهدون زوراً -أي: أنَّهم أفضل مِن القضاة! - قال: فرميَ القاضي بالزور، وأُشهر في الأسواق على ثور، ولم يزل معزولاً ممقوتاً حتى مات '.
شطحات البكري
وهذا أبو الحسن محمد بن محمد جلال الدين البكري مِن كبار أقطابهم، وكان يضع لهم الصلوات المتنوعة، ومنها: صلاة الفاتح، يقول النبهاني: ' له كرامات، ويدلُّ على ذلك ما أخبرنا به الشيخ الكشكاوي، قال: رأيتُ الشيخ أبا الحسن البكري وقد تطور فكان كعبة مكان الكعبة -ومعنى تطور أي: تغيرت هيئته وشكله، وهذه الكلمة ترد عندهم كثيراً- ولبس سترها كما يلبس الإنسان القميص'.
شطحات الشاذلي
وقال في عمدة التحقيق: ' إن الشيخ المغربى الشاذلي قال: إنَّه حجَّ سنَةً مِن السنين إلى بيت الله الحرام، وكان بالحج الشريف الشيخ محمد البكري قال: فذهبت إلى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فدخلتُ يوماً أزور قبر النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجدت الشيخ محمد البكري بالحرم النَّبويِّ وقد عمل درساً، قال في أثنائه: أُمرتُ أن أقول الآن قدمي على رقبة كلِّ وليٍّ لله تعالى مشرقاً كان أو مغرباً! -وهم يقولون إنَّ هذه الكلمة تُنقل عن عبد القادر الجيلاني فيما مضى- فعلمتُ أنَّه أعطي "القطبانية الكبرى"، وهذا لسان حالها، فبادرتُ إليه مسرعاً، وقبَّلتُ قدَمَيْه وأخذتُ عليه المبايعة، ورأيتُ الأولياء تتساقط عليه كالذباب، الأحياء بالأجسام، والأموات بالأرواح، فقلت حينئذ بيتَ ابن الفارض رضي الله عنه:
وكلُّ الجهات الستِّ عندي توجهت بما تمَّ مِن نسك وحج وعمرة
وينقل داود بن ماخيلا عن شيخه الشاذلي أنه قال: طوبى لمن رآني، أو رآى من رآني، أو رأى مَن رأى مَن رآني ... -ويقول- إنَّ الشاذلي يُقسم فيقول: والله ما مِن وليٍّ لله كان أو هو كائن إلا وقد أظهره الله عليه وعلى اسمه ونسبه وحسبه وحظه مِن الله عز وجل '.
¥