درء التعارض [جزء 3 - صفحة 95]
وسبب هذا الاضطراب أن لفظ (التأويل) في عرف هؤلاء المتنازعين ليس معناه معنى التأويل في التنزيل بل ولا في عرف المتقدمين من مفسري القرآن فإن أولئك كان لفظ (التأويل) عندهم بمعنى التفسير ومثل هذا التأويل يعلمه من يعلم تفسير القرآن
ولهذا لما كان مجاهد إمام أهل التفسير وكان قد سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن تفسير القرآن كله وفسره له كان يقول: إن الراسخين في العلم يعلمون التأويل أي التفسير المذكور
وهذا هو الذي قصده ابن قتيبة وأمثاله ممن يقولون: إن الراسخين في العلم يعلمون التأويل ومرادهم به التفسير وهم يثبتون الصفات لا يقولون بتأويل الجهمية النفاة التي هي صرف النصوص عن مقتضاها ومدلولها ومعناها
وأما لفظ (التأويل) في التنزيل فمعناه: الحقيقة التي يؤول إليها الخطاب وهي نفس الحقائق التي أخبر الله عنها فتأويل ما أخبر به عن اليوم الآخر هو نفس ما يكون في اليوم الآخر وتأويل ما أخبر به عن نفسه هو نفسه المقدسة الموصوفة بصفاته العلية
وهذا التأويل هو الذي لا يعلمه إلا الله ولهذا كان السلف يقولون: الاستواء معلوم والكيف مجهول فيثبتون العلم بالاستواء وهو التأويل الذي بمعنى التفسير وهو معرفة المراد بالكلام حتى يتدبر ويعقل ويفقه ويقولون: الكيف مجهول وهو التأويل الذي انفرد الله بعلمه وهو الحقيقة التي لا يعلمها إلا هو
وأما التأويل بمعنى: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح كتأويل من تأول: استوى بمعنى استولى ونحوه فهذا عند السلف والأئمة - باطل لا حقيقة له بل هو من باب تحريف الكلم عن مواضعه والإلحاد في أسماء الله وآياته
فلا يقال في مثل هذا التأويل: لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم بل يقال فيه: {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} [يونس: 18]
الصفدية [جزء 1 - صفحة 291]
وأما التأويل بمعنى صرف اللفظ عن مفهومه إلى غير مفهومه فهذا لم يكن هو المراد بلفظ التأويل في كلام السلف اللهم إلا أنه إذا علم أن المتكلم أراد المعنى الذي يقال أنه خلاف الظاهر جعلوه من التأويل الذي هوالتفسير لكونه تفسيرا للكلام وبيانا لمراد المتكلم به أو جعلوه من النوع الآخر الذي هو الحقيقة الثابتة في نفس الأمر التي استأثر الله بعلمها لكونه مندرجا في ذلك لا لكونه مخالفا للظاهر
وكان السلف ينكرون التأويلات التي تخرج الكلام عن مراد الله ورسوله التي هي من نوع تحريف الكلم عن مواضعه فكانوا ينكرون التأويل الباطل الذي هو التفسير الباطل كما ننكر قول من فسر كلام المتكلم بخلاف مراده وقد ينكرون من التأويل الذي هو التفسير ما لا يعلم صحته فننكر الشيء للعلم بأنه باطل أو لعدم العلم بأنه حق ولا ينكرون ترجمة الكلام لمن لا يحسن اللغة وربما أنكروا من ذلك ما لا يفهمه المستمع أو ما تضره معرفته كما ينكرون الصفدية [جزء 1 - صفحة 292]
تحديث الناس بما تعجز عقولهم عن معرفته أو بما تضرهم معرفته كما قال علي عليه السلام حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله وقال عبدالله بن مسعود ما من رجل يحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم
وهذا قد تحمله الباطنية على مذهب النفاة المعطلة التي بينا فسادها والأمر على نقيض ذلك فإن قوله أتحبون أن يكذب الله ورسوله دليل على أن ذلك قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسكت عنه
الرسالة التدمرية [جزء 1 - صفحة 59]
وأما التأويل المذموم والباطل: فهو تأويل أهل التحريف والبدع الذين يتأولونه على تأويله ويدعون صرف اللفظ عن مدلوله الى غير مدلوله بغير دليل يوجب ذلك ويدعون أن في ظاهره من المحذور ما هو نظير المحذور اللازم فيما أثبتوه بالعقل ويصرفونه الى معان هين نظير المعاني التي نفوها عنه فيكون ما نفوه من جنس ما أثبتوه فإن كان الثابت حقا ممكنا كان المنفي مثله وان كان المنفي باطلا ممتنعا كان الثابت مثله
معنى ظاهرها غير مراد
التحفة المدنية [جزء 1 - صفحة 56]
معنى ظاهرها غير مراد
¥