تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واعلم إن كثيرا من المتأخرين يقولون هذا مذهب السلف في آيات الصفات وأحاديثها إقرارها على ما جاءت مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد وهذا لفظ مجمل فإن قول القائل ظاهرها غير مراد يحتمل أنه أراد بالظاهر نعوت المخلوقين وصفات المحدثين فلا شك أن هذا غير مراد ومن قال هذا فقد أصاب لكن أخطأ في إطلاق القول إن هذا ظاهر النصوص فإن هذا ليس هو الظاهر فإن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدسة إذ الصفات تابعة للموصوف فنعقل وجود الباري وننزه ذاته المقدسة عن الأشياء من غير أن نتعقل الماهية فكذلك القول في صفاته نؤمن بها ونعقل وجودها ونعلمها في الجملة من غير أن نتعقلها أو نشبهها أو نكيفها أو نمثلها بصفات خلقه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فلا نقول إن معنى اليد القدرة ولا إن معنى الاستواء الاستيلاء ولا معنى نزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا نزول رحمته ونحو ذلك بل نؤمن بأنها صفات حقيقة والكلام فيها كالكلام في الذات يحتذى فيه حذوه فإذا كانت الذات تثبت إثبات وجود لا إثبات كيفية فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية

ومن ظن أن نصوص الصفات لا يعقل معناها ولا يدرى ما أراد الله

التحفة المدنية [جزء 1 - صفحة 154] [جزء 1 - صفحة 155] [جزء 1 - صفحة 156]

ذكر قول الحافظ أبي بكر الخطيب رحمه الله تعالى

قال أما الكلام في الصفات فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها والكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله فإذا كان إثبات رب العالمين معلوما فإنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف فإذا قلنا يد وسمع وبصر فإنما هو إثبات صفات أثبتها الله لنفسه ولا نقول إن معنى اليد القدرة ولا إن معنى السمع والبصر العلم ولا نقول إنها جوارح وأدوات للفعل ولا تشبه بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح ونقول إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى

ليس كمثله شيء

وقوله

ولم يكن له كفوا أحد انتهى

قال الحافظ الذهبي المراد بظاهرها أي لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له كما قال مالك وغيره الاستواء معلوم وكذلك القول في السمع والبصر والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك هذه الأشياء معلومة فلا يحتاج إلى بيان وتفسير لكن الكيف في جميعها مجهول عندنا

قال والمتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولدة ما علمت أحدا سبقهم إليها قالوا هذه الصفات تمر كما جاءت ولا تؤول مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد فتفرع من هذا أن الظاهر يعني به أمران

أحدهما أنه لا تأويل غير دلالة الخطاب كما قال السلف الاستواء معلوم وكما قال سفيان وغيره قراءتها تفسيرها يعني أنها بينة معروفة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف وهذا هو مذهب السلف مع اتفاقهم أنها لا تشبه صفات البشر بوجه إذ الباري لا مثل له في ذاته ولا في صفاته

الثاني أن ظاهرها هو الذي يتشكل في الخيال من الصفة كما يتشكل في الذهن من وصف البشر فهذا غير مراد فإن الله فرد صمد ليس له نظير وإن تعددت صفاته فإنها حق ولكنها ما لها مثل ولا نظير فمن ذا الذي عاينه ونعته لنا

والله إنا لعاجزون كالون حائرون باهتون في حد الروح التي فينا وكيف نعرج كل ليلة إذا توفاها باريها وكيف يرسلها وكيف تنتقل بعد الموت وكيف حياة الشهيد المرزوق عند ربه بعد قتله وكيف حياة النبيين الآن وكيف شاهد النبي أخاه موسى يصلي في قبره ثم رآه في السماء السادسة وحاوره وأشار عليه بمراجعة رب العالمين وطلب التخفيف منه على أمته وكيف ناظر موسى أباه آدم وحجه آدم بالقدر السابق وبأن اللوم بعد التوبة وقبولها لا فائدة فيه وكذلك نعجز عن وصف هيئاتنا في الجنة ووصف الحور العين فكيف بنا إذا انتقلنا إلى الملائكة وذواتهم وكيفيتها وأن بعضهم يمكنه أن يلتقم الدنيا في لقمة مع رونقهم وحسنهم وصفاء جوهرهم النوراني

فالله أعلى وأعظم وله المثل الأعلى والكمال المطلق ولا مثل له أصلا

ليس كمثله شيء

انتهى كلام الذهبي

العقائد الإسلامية - ابن باديس [جزء 1 - صفحة 59]

ونثبت الاستواء والنزول ونحوهما ونؤمن بحقيقتهما على ما يليق به تعالى بلا كيف وبأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير