وهذا هو المذهب الذى حكاه الخطابى وغيره عن السلف وعليه يدل كلام جمهورهم وكلام الباقين لا يخالفه وهو أمر واضح فان الصفات كالذات فكما أن ذات الله ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس المخلوقات فصفاته ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس صفات المخلوقات
فمن قال لا أعقل علما ويدا الا من جنس العلم واليد المعهودين قيل له فكيف تعقل ذاتا من غير جنس ذوات المخلوقين ومن المعلوم أن صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته فمن لم يفهم من صفات الرب الذى ليس كمثله شىء الا ما يناسب المخلوق فقد ضل فى عقله ودينه
وما أحسن ما قال بعضهم اذ قال لك الجهمى كيف استوى أو كيف ينزل الى سماء الدنيا أو كيف يداه ونحو ذلك فقل له كيف هو فى ذاته فاذا قال لك لا يعلم ما هو الا هو وكنه البارى تعالى غير معلوم للبشر فقل له فالعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف فكيف يمكن أن تعلم كيفية صفة لموصوف مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 115]
لم تعلم كيفيته وانما تعلم الذات والصفات من حيث الجملة على الوجه الذى ينبغى لك
بل هذه المخلوقات فى الجنة قد ثبت عن ابن عباس أنه قال ليس فى الدنيا مما فى الجنة الا الأسماء وقد أخبر الله تعالى أنه لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين وأخبر النبى أن فى الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فاذا كان نعيم الجنة وهو خلق من خلق الله كذلك فما ظنك بالخالق سبحانه وتعالى
وهذه الروح التى فى بنى آدم قد علم العاقل اضطراب الناس فيها وامساك النصوص عن بيان كيفيتها افلا يعتبر العاقل بها عن الكلام فى كيفية الله تعالى مع أنا نقطع بأن الروح فى البدن وأنها تخرج منه وتعرج الى السماء وانها تسل منه وقت النزع كما نطقت بذلك النصوص الصحيحة لا نغالى فى تجريدها غلو المتفلسفة ومن وافقهم حيث نفوا عنها الصعود والنزول والاتصال بالبدن والانفصال عنه وتخبطوا فيها حيث رأوها من غير جنس البدن وصفاته فعدم مماثلتها للبدن لا ينفى أن تكون هذه الصفات ثابتة لها بحسبها الا أن يفسروا كلامهم بما يوافق النصوص فيكونون قد أخطئوا فى اللفظ وانى لهم بذلك
ولا نقول انها مجرد جزء من أجزاء البدن كالدم والبخار مثلا أو صفة من صفات البدن والحياة وانها مختلفة الاجساد ومساوية لسائر الاجساد فى الحد والحقيقة كما يقول طوائف من اهل الكلام بل نتيقن أن الروح عين موجودة غير البدن وانها ليست مماثلة له وهى موصوفة بما نطقت به النصوص حقيقة لا مجازا فاذا كان مذهبنا فى حقيقة الروح وصفاتها بين المعطلة والممثلة فكيف الظن بصفات رب العالمين
وأما القسمان اللذان ينفيان ظاهرها أعنى الذين يقولون ليس لها فى الباطن مدلول هو صفة الله تعالى قط وان الله لا صفة له ثبوتية بل صفاته اما سلبية واما اضافية واما مركبة منهما أو يثبتون بعض الصفات وهى الصفات السبعة أو الثمانية أو الخمسة عشر أو يثبتون الأحوال دون الصفات ويقرون من الصفات الخبرية بما فى القرآن دون الحديث على ما قد عرف من مذاهب المتكلمين فهؤلاء قسمان
قسم يتأولونها ويعينون المراد مثل قولهم استوى بمعنى استولى أو بمعنى علو المكانة والقدر أو بمعنى ظهور نوره للعرش أو بمعنى انتهاء الخلق اليه الى غير ذلك من معانى المتكلمين
وقسم يقولون الله أعلم بما أراد بها لكنا نعلم أنه لم يرد اثبات صفة خارجية عما علمناه
وأما القسمان الواقفان مجموع الفتاوى [جزء 5 - صفحة 117]
فقوم يقولون يجوز أن يكون ظاهرها المراد اللائق بجلال الله ويجوز أن لا يكون المراد صفة الله ونحو ذلك وهذه طريقة كثير من الفقهاء وغيرهم
وقوم يمسكون عن هذا كله ولا يزيدون على تلاوة القرآن وقراءة الحديث معرضين بقلوبهم والسنتهم عن هذه التقديرات فهذه الأقسام الستة لا يمكن أن يخرج الرجل عن قسم منها
والصواب فى كثير من آيات الصفات وأحاديثها القطع بالطريقة الثابتة كالآيات والأحاديث الدالة على أن الله سبحانه وتعالى فوق عرشه ويعلم طريقة الصواب فى هذا وأمثاله بدلالة الكتاب والسنة والاجماع على ذلك دلالة لا تحتمل النقيض وفى بعضها قد يغلب على الظن ذلك مع احتمال النقيض وتردد المؤمن فى ذلك هو بحسب ما يؤتاه من العلم والايمان ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور
¥