فيقال أما كون الرجل يسكت عما لا يعلم فهذا مما يؤمر به كل أحد لكن هذا الكلام يقتضى أنهم لم يعلموا معنى الآية و تفسيرها و تأويلها و إذا كان لم يتبين لهم فمضمونه عدم علمهم بذلك و هو كلام شاك لا يعلم ما أريد بالآية
ثم إذا ذكر لهم بعض التأويلات كتأويل من يفسره بإتيان أمره و قدرته أبطلوا ذلك بأن هذا يسقط فائدة التخصيص و هذا نفي للتأويل و إبطال له
فإذا قالوا مع ذلك و لا يعلم تأويله إلا الله أثبتوا تأويلا لا يعلمه إلا الله و هم ينفون جنس التأويل
و نقول ما الحامل على هذا التأويل البعيد و قد أمكن بدونه أن نثبت إتيانا و مجيئا لا يعقل كما يليق به كما أثبتنا ذاتا لها حقيقة لا تعقل و صفات من سمع و بصر و غير ذلك لا تعقل ولأنه إذا جاز تأويل هذا و أن نقدر مضمرا محذوفا من قدرة أو عذاب و نحو ذلك فما منعكم من تأويل قوله ترون ربكم كذلك وهذا كلام فى إبطال التأويل و حمل للفظ على ما دل عليه ظاهره على ما يليق بجلال الله
فإذا قيل مع هذا إن له تأويلا لا يعلمه إلا الله و أريد بالتأويل هذا الجنس كان تناقضا كيف ينفي جنس التأويل و يثبت له تأويل لا يعلمه إلا الله
فعلم أن التأويل الذي لا يعلمه إلا الله لا يناقض حمله على ما دل عليه اللفظ بل هو أمر آخر يحقق هذا و يوافقه لا يناقضه و يخالفه كما قال مالك الإستواء معلوم و الكيف مجهول
و إذا كان كذلك أمكن أن من العلماء من يعلم من معنى الآية ما يوافق القرآن لم يعلمه غيره و يكون ذلك من تفسيرها و هو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم كمن يعلم أن المراد بالآية مجيء الله قطعا لا شك فى ذلك لكثرة ما دل عنده على ذلك و يعلم مع ذلك أنه العلى الأعلى يأتى إتيانا تكون المخلوقات محيطة به و هو تحتها فإن هذا مناقض لكونه العلي الأعلى و الجد الأعلى أبو عبد الله رحمه الله قد جرى فى تفسيره على ما ذكر من الطريقة و هذه عادته و عادات غيره و ذكر كلام إبن الزاغونى فقال قال الشيخ علي بن عبيد الله الزاغوني
و قد اختلف كلام إمامنا أحمد فى هذا المجيء هل يحمل على ظاهره و هل يدخل التأويل على روايتين إحداهما أنه يحمل على ظاهره من مجيء ذاته فعلى هذا يقول لا يدخل التأويل إلا أنه لا يجب أن يحمل مجيئه بذاته إلا على ما يليق به و قد ثبت أنه لا يحمل إثبات مجيء هو زوال و انتقال يوجب فراغ مكان و شغل آخر من جهة أن هذا يعرف بالجنس فى حق المحدث الذي يقصر عن إستيعاب المواضع و المواطن لأنها أكبر منه و أعظم يفتقر مجيئه إليها إلى الإنتقال عما قرب إلى ما بعد
و ذلك ممتنع في حق الباري تعالى لأنه لا شيء أعظم منه و لا يحتاج في مجيئه إلى إنتقال و زوال لأن داعى ذلك و موجبه لا يوجد فى حقه فأثبتنا المجئ صفة له و منعنا ما يتوهم في حقه ما يلزم فى حق المخلوقين لإختلافهما فى الحاجة إلى ذلك و مثله قوله و جاء ربك و الملك صفا صفا
و مثله الحديث المشهور الذي رواه عامة الصحابة أن النبى صلى الله عليه و سلم قال ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرنى فأغفر له فنحن نثبت و صفه بالنزول إلى سماء الدنيا بالحديث و لا نتأول ما ذكروه و لا نلحقه بنزول الآدميين الذي هو زوال و انتقال من علو إلى أسفل بل نسلم للنقل كما ورد و ندفع التشبيه لعدم موجبه و نمنع من التأويل لارتفاع نسبته
قال و هذه الرواية هي المشهورة و المعمول عليها عند عامة المشائخ من أصحابنا
قلت أما كون إتيانه و مجيئه و نزوله ليس مثل إتيان المخلوق و مجيئه و نزوله فهذا أمر ضروري متفق عليه بين علماء السنة و من له عقل فإن الصفات و الأفعال تتبع الذات المتصفة الفاعلة فإذا كانت ذاته مباينة لسائر الذوات ليست مثلها لزم ضرورة أن تكون صفاته مباينة لسائر الصفات ليست مثلها و نسبة صفاته إلى ذاته كنسبة صفة كل موصوف إلى ذاته و لا ريب أنه العلي الأعلى العظيم فهو أعلى من كل شيء و أعظم من كل شيء فلا يكون نزوله و إتيانه بحيث تكون المخلوقات تحيط به أو تكون أعظم منه و أكبر هذا ممتنع
و أما لفظ الزوال و الإنتقال فهذا اللفظ مجمل و لهذا كان أهل الحديث و السنة فيه على أقوال
¥