فعثمان بن سعيد الدارمي و غيره أنكروا على الجهمية قولهم إنه لا يتحرك و ذكروا أثرا أنه لا يزول و فسروا الزوال بالحركة فبين عثمان بن سعيد أن ذلك الأثر إن كان صحيحا لم يكن حجة لهم لأنه في تفسير قوله الحي القيوم ذكروا عن ثابت دائم باق لا يزول عما يستحقه كما قال ابن إسحق لا يزول عن مكانته
قلت و الكلبى بنفسه الذي روى هذا الحديث هو يقول إستوى على العرش إستقر و يقول ثم استوى إلى السماء صعد إلى السماء
و أما الإنتقال فابن حامد و طائفة يقولون ينزل بحركة و إنتقال و آخرون من أهل السنة كالتميمي من أصحاب أحمد أنكروا هذا و قالوا بل ينزل بلا حركة و إنتقال و طائفة ثالثة كابن بطة و غيره يقفون في هذا
و قد ذكر الأقوال الثلاثة القاضي أبو يعلى فى كتاب إختلاف الروايتين و الوجهين و نفي اللفظ بمجمله
و الأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص فيثبت ما أثبت الله و رسوله باللفظ الذي أثبته و ينفي ما نفاه الله و رسوله كما نفاه و هو أن يثبت النزول و الإتيان و المجيء و ينفى المثل و السمى و الكفؤ و الند
وبهذا يحتج البخاري و غيره على نفي المثل يقال ينزل نزولا ليس كمثله شيء نزل نزولا لا يماثل نزول المخلوقين نزولا يختص به كما أنه فى ذلك و فى سائر ما و صف به نفسه ليس كمثله شيء فى ذلك و هو منزه أن يكون نزوله كنزول المخلوقين و حركتهم و إنتقالهم و زوالهم مطلقا لا نزول الآدميين و لا غيرهم
فالمخلوق إذا نزل من علو إلى سفل زال و صفه بالعلو و تبدل إلى و صفه بالسفول و صار غيره أعلى منه
و الرب تعالى لا يكون شيء أعلى منه قط بل هو العلي الأعلى و لا يزال هو العلي الأعلى مع أنه يقرب إلى عباده و يدنو منهم و ينزل إلى حيث شاء و يأتى كما شاء و هو فى ذلك العلي الأعلى الكبير المتعالى علي فى دنوه قريب فى علوه
فهذا و إن لم يتصف به غيره فلعجز المخلوق أن يجمع بين هذا و هذا كما يعجز أن يكون هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن ولهذا قيل لأبي سعيد الخراز بم عرفت الله قال بالجمع بين النقيضين و أراد أنه يجتمع له ما يتناقض في حق الخلق كما إجتمع له أنه خالق كل شيء من أفعال العباد و غيرها من الأعيان و الأفعال مع ما فيها من الخبث و أنه عدل حكيم رحيم و أنه يمكن من مكنه من عباده من المعاصى مع قدرته على منعهم و هو في ذلك حكيم عادل فإنه أعلم الأعلمين و أحكم الحاكمين و خير الفاتحين يعلم ما بين أيديهم و ما خلفهم
فأن لا يحيطوا علما بما هو أعظم فى ذلك أولى و أحرى و قد سألوا عن الروح فقيل لهم الروح من أمر ربى و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا و فى الصحيحين أن الخضر قال لموسى لما نقر عصفور فى البحر ما نقص علمي و علمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر
فالذي ينفى عنه و ينزه عنه إما أن يكون مناقضا لما علم من صفاته الكاملة فهذا ينفى عنه جنسه كما قال الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة و لا نوم و قال و توكل على الحي الذي لا يموت فجنس السنة و النوم و الموت ممتنع عليه لا يجوز أن يقال فى شيء من هذا إنه يجوز عليه كما يليق بشأنه لأن هذا الجنس يوجب نقصا فى كماله وكذلك لا يجوز أن يقال هو يكون فى السفل لا في العلو و هو سفول يليق بجلاله فإنه سبحانه العلي الأعلى لا يكون قط إلا عاليا و السفول نقص هو منزه عنه
و قوله و أنت الباطن فليس دونك شيء لا يقتضي السفول إلا عند جاهل لا يعلم حقيقة العلو و السفول فيظن أن السموات و ما فيها قد تكون تحت الأرض إما بالليل و إما بالنهار و هذا غلط كمن يظن أن ما فى السماء من المشرق يكون تحت ما فيها مما فى المغرب فهذا أيضا غلط بل السماء لا تكون قط إلا عالية على الأرض و إن كان الفلك مستديرا محيطا بالأرض فهو العالي على الأرض علوا حقيقيا من كل جهة و هذا مبسوط في مواضع
والنوع الثانى أنه منزه عن أن يماثله شيء من المخلوقات فى شيء من صفاته فالألفاظ التى جاء بها الكتاب و السنة فى الإثبات تثبت و التى جاءت بالنفي تنفى و الألفاظ المجملة كلفظ الحركة و النزول و الإنتقال يجب أن يقال فيها إنه منزه عن مماثلة المخلوقين من كل و جه لا يماثل المخلوق لا فى نزول و لا فى حركة و لا إنتقال و لا زوال و لا غير ذلك
¥