ولهذا قال الإمام أحمد في خطبته فيما صنفه من الرد علي الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته علي غير تأويله قال: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقابا من أهل العلم يدعون من ضل إلي الهدى ويصبرون منهم علي الأذي يحيون بكتاب الله الموتي ويبصرون بنور الله أهل العمي فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من تائه ضال قد هدوه فما أحسن أثرهم علي الناس وأقبح أثر الناس عليهم ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون علي مفارقة الكتاب يقولون علي الله وفي الله وقي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين
ويروي نحو هذه الخطبة عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه كما ذكر ذلك محمد بن وضاح في كتاب الحوادث والبدع
فقد وصفوا في هذا الكلام بأنهم مع اختلافهم في الكتاب ـ فهم كلهم مخالفون له وهم مشتركون في مفارقته يتكلمون بالكلام المتشابه ويخدعون جهال الناس بما يلبسون عليهم حيث لبسوا الحق بالباطل
درء التعارض [جزء 1 - صفحة 14]
خلاصة ما سبق
وجماع الأمر أن الأدلة نوعان: شرعية وعقليه فالمدعون لمعرفة الإلهيات بعقولهم من المنتسبين إلى الحكمة والكلام والعقليات يقول من يخالف نصوص الأنبياء منهم: إن الأنبياء لم يعرفوا الحق الذي عرفناه أو يقولون: عرفوه ولم يبينوه للخلق كما بيناه بل تكلموا بما يخالفه من غير بيان منهم والمدعون للسنة والشريعة واتباع السلف من الجهال بمعاني نصوص الأنبياء يقولون: إن الأنبياء ـ والسلف الذين اتبعوا الأنبياء ـ لم يعرفوا معنى هذه النصوص التي قالوها والتي بلغوها عن الله أو إن الأنبياء عرفوا معانيها ولم يبينوا مرادهم للناس فهؤلاء الطوائف قد يقولون: نحن عرفنا الحق بعقولنا ثم اجتهدنا في حمل كلام الأنبياء علي ما يوافق مدلول العقل وفائدة إنزال هذه المتشابهات المشكلات اجتهاد الناس في أن يعرفوا الحق بعقولهم ثم يجتهدوا في تأويل كلام الأنبياء الذي لم يبينوا به مرادهم أو أنا عرفنا الحق بعقولنا وهذه النصوص لم تعرف الأنبياء معناها كما لم يعرفوا وقت الساعة ولكن أمرنا بتلاوتها من غير تدبر لها ولا فهم لمعانيها أو يقولون: بل هذه الأمور لا تعرف بعقل ولا نقل بل نحن منهيون عن معرفة العقليات وعن فهم السمعيات وإن الأنبياء وأتباعهم لا يعرفون العقليات ولا يفهمون السمعيات
الجواب الصحيح [جزء 6 - صفحة 520]
وأهل التحريف والتأويل الذين يؤلون كلامهم على ما يخالف مرادهم ويزعمون أنهم أرادوا ذلك المعنى مع انه ليس في كلامهم ما يدل على إرادة ذلك المعنى بل كلامهم يدل على إرادة خلافه
وأهل التجهيل الذين يقولون ذلك الكلام ليس له معنى يعلمه الرسل ولا غيره وإنما يعلمه الله وحده وهذان القولان يقول بكل منها طوائف معظمين للرسل وقد تبين فسادهما في غير هذا الموضع
الصواعق المرسلة [جزء 2 - صفحة 422]
والصنف الثالث أصحاب التجهيل الذين قالوا نصوص الصفات ألفاظ لا تعقل معانيها ولا ندري ما أراد الله ورسوله منها ولكن نقرأها ألفاظا لا معاني لها ونعلم أن لها تأويلا لا يعلمه إلا الله وهي عندنا بمنزلة: كهيعص مريم1 و حم عسق الشورى2 , 1 و المص الأعراف1
فلو ورد علينا منها ما ورد لم نعتقد فيه تمثيلا ولا تشبيها ولم نعرف معناه وننكر على من تأوله ونكل علمه إلى الله وظن هؤلاء أن هذه طريقة السلف وأنهم لم يكونوا يعرفون حقائق الأسماء والصفات ولا يفهمون معنى قوله: لما خلقت بيدي ص75
وقوله والأرض جميعا قبضته يوم القيامة الزمر67
وقوله الرحمن على العرش استوى طه5
وأمثال ذلك من نصوص الصفات
وبنوا هذا المذهب على أصلين:
أحدهما أن هذه النصوص من المتشابه
والثاني أن للمتشابه تأويلا لا يعلمه إلا الله فنتج من هذين الأصلين استجهال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأنهم كانوا يقرأون: الرحمن على العرش استوى طه5 و بل يداه مبسوطتان المائدة64
¥