تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا نصا ولا ظاهرا على خلاف ذلك ولا قال أحد منهم يوما من الدهر أن ربنا ليس فوق العرش أو أنه ليس على العرش أو أن استوائه على العرش كاستواء على البحر إلى غير ذلك من ترهات الجهمية ولا مثل استوائه باستواء المخلوقين ولا أثبت له صفة تستلزم حدوثا أو نقصا والذي يبين لك خطأ من أطلق الظاهر على المعنى الذي يليق بالخلق أن الألفاظ نوعان:

أحدهما ما معناه مفرد كلفظ الأسد والحمار والبحر والكلب فهذا إذا قيل أسد الله وأسد رسوله أو قيل للبليد حمار أو قيل للعالم أو السخي أو الجواد من الخيل بحر أو قيل للأسد كلب فهذا مجاز ثم إن قرنت به قرينة تبين المراد كقول النبي صلى الله عليه وسلم لفرس أبي طلحة: [إن وجدناه لبحرا] وقوله: [إن خالدا سيف من سيوف الله سله الله على المشركين]

وقوله لعثمان: [إن الله قمصك قميصا] وقول ابن عباس: الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن استلمه وصافحه فكأنما بايع ربه أو كما قال ونحو ذلك فهنا اللفظ فيه تجوز وإن كان قد ظهر من اللفظ مراد صاحبه وهو محمول على هذا الظاهر في استعمال هذا المتكلم لا على الظاهر على الوضع الأول وكل من سمع هذا القول علم المراد به وسبق ذلك إلى ذهنه بل أحال إرادة المعنى الأول

وهذا يوجب أن يكون نصا لا محتملا وليس حمل اللفظ على هذا المعنى من التأويل الذي هو صرف اللفظ عن الإحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح في شيء وهذا أحد مثارات غلط الغالطين في هذا الباب حيث يتوهم أن المعنى المفهوم من هذا اللفظ مخالف للظاهر وأن اللفظ يؤول

النوع الثاني: من الألفاظ ما في معناه إضافة إما بأن يكون المعنى إضافة محضة كالعلو والسفول وفوق وتحت ونحو ذلك أن يكون معنى ثبوتيا فيه إضافة كالعلم والحب والقدرة والعجز والسمع والبصر فهذا النوع من الألفاظ لا يمكن أن يوجد له معنى مفرد بحسب بعض موارده لوجهين:

أحدهما: أنه لم يستعمل مفردا قط

الثاني: أن ذلك يلزم منه الاشتراك أو المجاز بل يجعل حقيقة في القدر المشترك بين موارده وما نحن فيه من هذا الباب فإن لفظ استوى لم تستعمله العرب في خصوص جلوس الآدمي مثلا على سريره حقيقة حتى يصير في غيره مجازا كما أن لفظ العلم لم تستعمله العرب في خصوص جلوس الآدمي مثلا على سريره حقيقة حتى يصير في غيره مجازا كما أن لفظ العلم لم تستعمله العرب في خصوص العرض القائم بقلب البشر المنقسم إلى ضروري ونظري حقيقة واستعمله في غيره مجازا بل هذا المعنى تارة يستعمل بلا تعدية كما في قوله تعالى: {ولما بلغ أشده واستوى} وتارة يعدى بحرف الغاية كقوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء} تارة يعدى بحرف الاستعلاء ثم هذا تارة يكون صفة لله وتارة يكون صفة لخلقه فلا يجب أن يجعل في أحد الموضعين حقيقة وفي الآخر مجازا ولا يجوز أن يفهم من استواء الله تعالى الخاصية التي تثبت للمخلوق دون الخالق كما في قوله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد} وقوله تعالى: {مما عملت أيدينا} وقوله تعالى: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} وقوله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر} {وكتبنا له في الألواح} فهل يستحل مسلم أن يثبت لربه خاصية الآدمي الباني والصانع العامل الكاتب أم يستحل أن ينفي عنه حقيقة العمل والبناء كما يختص به ويليق بجلاله أم يستحل أن يقول هذه الألفاظ مصروفة عن ظاهرها أم الذي يجب أن يقول عمل كل أحد بحسبه فكما أن ذاته ليست مثل ذوات خلقه فعمله وصنعه وبناؤه ليس مثل عملهم وصنعهم وبنائهم ونحن لم نفهم من قولنا بنى فلان وكتب فلان ما في عمله من المعالجة والتأثرة إلا من جهة عملنا بحال الباني لا من جهة مجرد اللفظ ففرق أصلحك الله بين ما دل مجرد اللفظ الذي هو لفظ الفعل وما يدل عليه بخصوص إضافته إلى الفاعل المعين وبهذا ينكشف لك كثير ما يشكل على كثير من الناس وترى مواقع اللبس في كثير من هذا الباب والله يوفقنا وسائر إخواننا المؤمنين لما يحبه ويرضاه من القول والعمل ويجمع قلوبنا على دينه الذي ارتضاه لنفسه وبعث به رسول صلى الله عليه وسلم

أقاويل الثقات [جزء 1 - صفحة 85]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير